كان لافتاً وَصْف الرئيس الروسي بوتين, القمة الرباعية التي انتهَت للتو في مدينة اسطنبول بـ»المثمرة», فيما جاءت تعليقات القادة الثلاثة ماكرون، ميركل وأردوغان مُتبايِنة, وإن لم يقُل احد منهم انها فاشلة. لكن إجاباتهم على الاسئلة التي طُرحَت في المؤتمر الصحفي,كشفت على نحو واضح الاختلافات بينهم,وبخاصة ما ذهبَ اليه الرئيس الفرنسي وشاركته – وان بحذر – المستشارة الالمانية,عندما عاد لتكرار اسطوانة الدول الغربية المشروخة,التي تربط بِلؤم وخبث مسألة عودة اللاجئين السوريين واعادة إعمار سوريا,بشروط كانت الولايات المتحدة – وما تزال – هي أول مَن طرَحها,في سعي لعرقلة وإحباط الحل السياسي للازمة السورية.اذ يقول ماكرون: إن عودتَهم (يقصد اللاجئين السوريين) تحتاج الى ظروف مواتية (لم يحددها بالطبع),مُستطرِدا في الكشف عن نيّاتِه: إن العودة هذه «مُستحيلة» في غياب حل سياسي للنزاع.
اما كيف يأتي هذا الحل؟فلم يُفصّل فخامَته, مُبقياً الامور على غُموض وخاضِعة لمزاج الغرب الاستعماري. فيما استرجعت السيدة ميركل المُصطلحات ذاتها,عندما نادت بضرورة وجود ظروف آمنة (..) لعودة اللاجئين» مُضيفة انه «لا يجوز (اضطهاد) اللاجئين بعد عودتهم الى الوطن»,ثم خرجت عن السياق لتطرح فكرة لافتة,عندما دعت الى بذل مزيد من الجهود كي تقود الى» هُدنة ثابِتة وطويلة» في إدلب.
الرئيس الروسي التقط الرسالة الألمانية الملغومة,فاغتنم فرصة سؤال وُجِّه اليه ليقول في حزم: »إن إجراء منطقة منزوعة السلاح وقبلها منطقة خفض التصعيد في إدلب, هو اجراء مُؤقّت.مؤكداً في الوقت نفسه ان بلاده «تحتفِظ بحق دعم الحكومة السورية في القضاء على أي بؤرة ارهاب,وفي حال استمرت هجمات المسلحين في إدلب».
من هنا فان جدول اعمال القمة الرباعية التي عُقِدت بدعوة من الرئيس التركي,كان مُركّزاً على إدلب وسُبل تجنيبها معركة عسكرية,يدرك المعنيون بالامر ان دمشق ترفض محاولات فرض هدنة «ثابتة وطويلة»كما وصفتها ميركل, وبالتأكيد تسعى بدأب لإحباط الإتكاء الاميركي البريطاني الفرنسي الالماني المتواصِل, على اكذوبة استخدام السلاح الكيماوي الذي اعاد ماكرون الإشارة اليها بعد انتهاء القمة, مُحذرا من» ان اي هجوم عسكري للنظام السوري،سيُؤدي الى عواقب غير مقبولة, وان استخدام الكيماوي...أمر مرفوض».
ليس مهما كثيرا التوقف عند المضامين»العمومية»للبيان المشترك الذي صدر عن القمة، وخصوصاً اذا ما ربطناها بالتصريحات التي ادلى بها القادة الأربعة في المؤتمر الصحفي, والتي كشفت تباينا واضحا في مواقفهم وبخاصة في شأن دور ومهمة «لجنة الدستور»التي عوّلت دول الغرب بما فيها «السباعية» المصغرة عليها, وضغطت من اجل ان تبدأ اعمالها قبل نهاية الشهر الجاري,وارسلت المبعوث الدولي المُستقيل دي ميستورا الى دمشق للترويج لها,لكن رفض دمشق الحازم لأي دور يُوكِل مهمة تحديد أسماء»ثلث»هذه اللجنة للامم المتحدة,قطع الطريق على تلك المحاولات. فأخذت قمة اسطنبول على عاتقها مُهمة الدعوة الى بدء تشكيل هذه اللجنة مع نهاية العام الجاري، وإن كان ثمة شكوك بحدوث ذلك,لأن «اللعبة الغربية» تنهض على فرض قائمة» الثلث الثالث» غير ذلك الحكومي والآخر المُعارِض.
في محاولة لفرض اسماء وشخصيات ذات هوى غربي,يُحققون من خلالهم ما عجزوا عن تحقيقه في حربهم الإجرامية على سوريا التي تواصلت سبع سنوات,وما تزال مخاطِرها الاميركية/ الفرنسية, قائمة في التنف وشرق وشمال سوريا.
صحيح ان التزام قادة الدول الاربع ودعمهم سيادة سوريا ووحدتها ورفض الاجندات الإنفصالية التي تُهدد سيادة ووحدة سوريا,وإقرارهم»ان لا حل عسكرياً للازمة»، امر جيد يدعو للتفاؤل،كما يُوّجه رسالة «رفض» لكل العاملين على تقسيم سوريا, أو إقامة دويلات ذات طابع طائفي وعِرقي فيها.كالمخطّط الذي تعمل واشنطن في شرق وشمال سوريا.لكن ذلك على أهميته منوط بترجمة تلك الالتزامات الى افعال, وإلاّ كيف نفسِّر هذه الحماسة الفرنسية البريطانية والى حد ما الالمانية,للمخطط الاميركي الذي يدعو بصلف «الى انتقال سياسي يُحدّد الخطوات والأهداف والغايات وكتابة دستور جديد, يمهد الطريق لخروج الرئيس السوري من السلطة,وتقليص النفوذ الروسي في سوريا.
وخصوصا خروج الميليشيات التابعة لإيران من سوريا»؟ اي هي تلك الاهداف الخبيثة ذاتها,التي لم تتغيَّر منذ شن حرب الارهاب على سوريا وفيها.اللهم إلاّ في ان شِقها العسكري قد فشل,ولم يعد بمقدورهم مواصَلته او اللجوء اليه..بعد دحره وهزيمته. فيما تدعو روسيا ودمشق الى رزمة متكاملة,مُنسجِمة بل متطابِقة مع قرارات الشرعية الدولية.
تبدأ بتسهيل إعادة اللاجئين السوريين,والبدء بإعادة الإعمار, ووضع دستور جديد (غير بعيد عن دستور العام 2012 (وإعادة كامل الاراضي «السورية»الى الحكومة السورية,وخروج»كل»القوات الاجنبية التي غزت سوريا,دون دعوة من
حكومتها الشرعية.
مَشروعان مُتضادان,تقف خلف كل منهما قوى وقُدرات وتحالفات لا تبدو مرشحة للإنفراط او التصدّع,بعد ان وصلت الامور – او تكاد – الى نقطة اللاعودة. وبخاصة في ما تُخطّط له وتدعمه واشنطن,التي تراهن على شراذم المعارَضة في قوات »قسد» الكردية, وتلك التي انحصرت في ما تبقّى من»هيئة التفاوض»التي تم دعوتها لحضور اجتماعات المجموعة «السُباعية المُصغّرة».هذه الهيئة المُفلِسة التي يدعو الناطق باسمها يحيى العريضي,الى إصدار قرارات دولية «ذات مخالِب»,ما دام القرار 2254 بلا فعالية.كما يزعُم,مُتّهماً الروس بانهم يُحاوِلون «بيع العالم الوَهم».
فأي نجاح أصابت قمة أسطنبول الرباعية؟
... الأيام ستَروي.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي