الإبن الحر .. الإبن الضال !!
عاصم العابد
28-06-2009 04:11 AM
حرية أبنائنا ضرورة، وفتح النوافذ والأبواب أمامهم، لتنسم هواء الحرية المنعش الجديد، هي مقدرة تربوية هائلة، وقيمة فكرية إنسانية حاسمة، في نجاحهم، ومسألة أساسية في جعلهم أبناء عصرهم، وفي تحصينهم ضد التوجس من الآخر وضد وساوس التربية الانغلاقية التي تخشى أن يؤدي الانفتاح التربوي إلى التلوث والتشوه والانحلال، باعتبار أن التعامل الايجابي مع الأغيار والأضداد، واخذ ما هو ضروري ولازم من الآخر هو تنكر للتراث، وانسلاخ عن تاريخنا المجيد وانبهار بالحضارات الأخرى واستصغار للنفس وزلزلة للثقة بها.
ئ وحرية أبنائنا ضرورة للتفاهم معهم أولا، بعيدا عن الفوقية والزجرية والنهرية و الاوامرية والكبت والإكراه، من اجل تنمية القدرة لديهم على التحليل والتفكير العلمي والتركيب والجدل الخلاق الذي يبني الخيال المعرفي والسياسي والثقافي. فلا يتوجب إغلاق الطرق والمسالك مع أبنائنا بحجة أن كل صغير، هو صغير العقــل ومحـــدود الإدراك، وعاجز عن القيام بالمطلوب منه، دون متابعة مستمرة ووصاية مباشرة ورقابة صارمة! إن اعتماد ديمقراطية التربية الأسرية وبناء قيم وقواعد الاستقلالية والتفكير الحر والقدرة على التصرف والتعامل مع الآخرين وقبولهم واتخاذ القرارات الرشيدة والمحافظة على الأصالة والجذور لا تترك آثارها الايجابية على صحة الأبناء النفسية والعقلية فحسب ، بل تنعكس على المجتمع إنتاجا وتقدما وخلقا وتطورا.
سقت هذه المقدمة، للتحذير من الخلط بين الانفلات والحرية، فالمسافة بينهما هائلة، والخلط بينهما مدمر وماحق، سقتها، للتحذير من عمى الألوان التربوي، الذي يصيبنا، فنظن أننا نقدم لأبنائنا خيرا، يعينهم على الحياة وتحدياتها ومتاعبها ، فإذا بنا نسوقهم، إلى ما يجعل بنيانهم الأخلاقي هشا ورخوا، والى ما يجعل حياتهم صعبة وقاسية، والى ما يسلب منهم هويتهم وبصمتهم الثقافية وجينهم الحضاري.
وأتحدث هنا كشاهد عيان ساءه ما رأى.
رأيت حشدا من شبابنا اليافع، في احد منتجعاتنا السياحية في البحر الميت، وهم يتعاطون شتى أنواع الكحول، في البار المفتوح على المطعم، الذي كنت أتناول فيه طعام العشاء مع أسرتي، وأتحدث هنا عن شباب وشابات، تتراوح أعمارهم ما بين 14 - 17 عاما!! أولا: هل هذه هي الحرية والانفتاح والاستقلالية والثقة التي يضعها الآباء في الأبناء؟ يا للخيبة والخسران والفشل الذريع.
ثانيا: هل تخالف الفنادق وباراتها، القانون والذوق العام، بتقديمها المشروبات (الروحية!) لشباب تحت السن القانوني؟ لاحظوا أنني أتحدث عن شباب أردنيين و ليسوا أجانب.
لقد حدثني احد الأصدقاء أن هناك تشديدا كاملا في أوروبا على بيع الكحول لمن هم دون سن الــ 18 سواء في البارات أو من المحال التجارية. وكل من تضبطه الشرطة ممن هم تحت السن القانوني وهو في حالة شرب يسجن أو يعترف على من باعه المشروبات الكحولية وتتخذ إجراءات صارمة ورادعة تصل إلى إغلاق المحل التجاري أو البار والسجن كذلك.وتطلب المحال التجارية بطاقة الهوية، ممن تقدر أن أعمارهم تحت سن ال25 كي لا تقع تحت طائلة المسؤولية.
ثالثا: لقد آذى ذلك المشهد ذوق الحاضرين، وطلبوا من مسؤول الفندق، أن يضع حدا، للهرج والهيافة والمفردات الماجنة التي تخدش الحياء ولم يفعل.
رابعا: هل يعلم الآباء عن أن أبناءهم يتعاطون الكحول، أم أن الآباء في غفلة وانهماك كامل في مشاغل الحياة؟ ليست هذه هي الحرية التي نطمح أن نربي أبناءنا عليها ولا يعني هذا السلوك الخارج على القيم الوطنية، أن نغلق الزنازين على أبنائنا وان ننزع الثقة منهم وان نأخذهم بجريرة الآباء الذين لم يحسنوا التربية والأبناء الذين لم يكونوا أهلا للثقة.