الجانب التحليلي في سياحة المغامرات وفاجعة البحر الميت
الدكتور مفلح الزيدانين
27-10-2018 04:08 PM
لقد فجع جميع الاردنيين وغيرهم بحادثة رحلة طلاب احدى المدارس الخاصة في البحر الميت ، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ولذلك نعزي انفسنا وقيادتنا الهاشمية وأهالي وذوي الشهداء ، وكذلك نعزي جميع الشعب الاردني الطيب الصابر صاحب النخوة والشهامة.ولابد من الاستفادة من نتائج بعض الازمات للمستقبل ولو كانت مؤلمة. و من خلال النظر الى المشهد بشكل عام سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي او القنوات التلفزيونية او البث المباشر من الميدان، عبر الهواتف الخلوية واللقاءات المتعددة عبر وسائل الاعلام. لذلك قد نتوصل الى عدة حقائق منها:
ــ الحادث نتج عن تواجد الطلاب في مجرى الوادي، وداهمتهم السيول القادمة من مناطق بعيدة ومرتفعة بشكل مفاجئ، والمرافقين والمشرفين في الرحلة ليس لهم خبرة في ادارة وقيادة المغامرات كونها تختلف من جنس الى اخر.مع عدم مراعات الاحوال الجوية الصادرة من قبل الارصاد الجوية والتحذيرات الصادرة من الدفاع المدني سواء من قبل الاهالي او المدرسة او المشرفين.
ــ متابعة القيادة الهاشمية للأزمة في جميع المراحل حيث قطع جلالة الملك زيارته الى مملكة البحرين.
ــ عدم اتباع التعليمات والعمل على تطويرها ،من حيث تحديد مسؤولية ادارة الرحلات والطرق التي تسلكها واماكن الوقوف والاستراحات والتفقد. والتعليمات التي تحدد النشاطات في المدارس و اسلوب الحصول على الموافقه، ومتابعة تنفيذها ، من الادارات المتوسطة وأخص مديريات التربية والتعليم.
ــ وجود قيادات في المراحل التنفيذية ليس لها ثقة بالادارات المتوسطة والعليا وترى بانها جاءت بالواسطة والمحسوبية.
ــ محدودية الرقابة والمتابعة والتقويم والتقييم في الادارات العليا والمتوسطة القادرة على تنفيذ مهامها.
ــ تعين بعض القيادات والادارات المتوسطة والعليا كونها مؤهلة في الخارج دون مراعاة البيئة الداخلية واسلوب الادارة فيها .
ــ هناك اكثر من هيئة تحقيق شكلت لاغراض التحقيق ( مجلس الاعيان ، مجلس النواب ،مجلس الوزراء ، وزارة التربية ، القضاء الاردني ....الخ) وستظهر نتائج متضاربة وهذا سيحول المسؤولية الى عدة جهات ومما يؤدي الى تشتت الجهد واختلاف في الراي.
ــ تعدد الادارات والمسؤليات والقيادات لهذه الازمة ممى ادى الى عدم معرفة الجهة المسؤولة عن ادارتها.
ومن خلال دراسة الحقائق بعمق، وبناءا على التفكير الابداعي واستشراف المتستقبل، للوصول الى خطط استراتيجية حقيقية بعيده عن استراتيجية الفزعة ،المعتمدة على الفعل ورد الفعل ، ودون الاعتماد على الفكر، ومن خلال التحليل المنطقي ممكن نتوصل الى ما يلي:
ــ الانعطاف او التحول عن الهدف في تحديد المسؤولية باتجاه (عدم صلاحية الطريق، وعدم وجود وسائل الانذار، ونوع التربة في المنطقة، ودور وزارة السياحة ،ووزارة البلديات ،وسلطة وادي الاردن ....الخ ). وهذا يؤدي الى انحراف التحقيق، وعدم القدرة على تحديد المسؤولية .وهوبعيد كل البعد عن مكان الحادث. (حيث كان الطلاب يسيروا في مجرى الوادي بعد ترجلهم من الباص وضمن مجموعات لتطبيق سياحة المغامرة). وهذا يؤدي الى التشتت في الفكر والراي وعدم القدرة على تحديد من هو المسؤول عن تحديد اتجاه الرحلة .
ــ لم تظهر جهة معينة بتحديد الازمة ومن الذي يقوم على ادارتها وتكليف الجهة المسؤولة عن ادارتها، لذلك تظهر قيادات وادارات ارتجالية في الادارات المتوسطة وفي الميدان من قبل بعض الاشخاص غير المعنيين اصلا ولكن بحكم تواجدهم في المنطقة اثروا بفكرهم وفعلهم على اسلوب التنفيذ .
من خلال دراسة بعض الحقائق الواردة وتحليلها بشكل منطقي قد نتوصل الى مايلي:
ــ تم ادارة الازمة باسلوب الفزعة في ارض الميدان دون الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي من بداية الرحلة الى مرحلة الموافقات الى مرحلة التنفيذ وغيّبت تماما مرحلة التقييم والرقابة والمتابعة.
ــ متابعة جلالة الملك للازمة وهذا يعزز من توجيهات جلالته الواردة في الاوراق النقاشية .
ــ سياحة المغامرة جاءت هذه الفكرة من الخارج وطبقت في الاردن بدون مراعاة الفكر والابداع والقيم والبيئة الاردنية. لذلك سياحة المغامرات لم نسمع بها الا جديد ، وهذه لا بد ان يسبقها تدريب في المدارس ضمن نشاطات ومناهج معينة مبنيّة على لياقة بدنية وفكرية وعقلية ، وكذلك لا بد من وجود مدربين ومشرفين مؤهلين يستطيعون تطوير هذه الفكرة، علما بأنها كانت سابقا باسم معسكرات الحسين وكانت من انجح النشاطات .
ــ هناك سبعة 7""مشرفين مع هذه الرحلة و 35 طالب اي لكل 5 طلاب مشرف ، الا يستطيع المشرف قيادة 5 طلاب ؟ اين التدريب؟ اين التطوير؟ واين التاهيل ؟.
ـــ تعدد هيئات التحقيق التي قد تصل الى اكثر من خمسة (5)هيئات واختلاف مستوياتها قد تساعد في انحراف النتائج وتضاربها .
ــ تحميل المسؤولية على الادارات العليا ، وهذا يؤدي الى الانحراف عن تحديد المسؤولية ،وارباك الوزارات او الادارات العليا، بالقاء المسؤولية عليهم. وتحويلهم الى جهة ،مرعوبة تشعر بالذنب ، غير قادرة على صناعة وصياغة القرار، ومحاسبة المسبب.
ومن وجهة نظر الكاتب يمكن التوصية بما يلي:
ــ تحديد هيئة التحقيق بوزارة التربية والتعليم.
ــ عدم تجزئة المسؤولية الى عدة جهات وعدة وزارات وضرورة البحث في صلب الموضوع .(الجسر واشارات الطرق واصلاح الطرق وصيانتها تحتاج الى وقت ولها عدة سنوات وليس لها علاقة مباشرة بالحادث ).
ــ ضرورة وجود جهة واحدة للتنسيق وادارة الازمات وتحديد الادارة او المؤسسة المعنية بالتنفيذ، والرقابة والمتابعة والتقويم والتقييم ، وما هي الادوات والوسائل التي يجب اتباعها لتحقيق المهمة وانجازها واستخلاص الدروس المستفادة منها ؟.
ــ وجود تعليمات مسبقة لأي مهمة وواجب وتحديد الرسالة والاهداف والخيارات التي يجب دراستها للوصول الى الاهداف ، وهل الشخص المنفذ يرتقي الى مستوى المهمة.
ــ التأكيد على تحليل ما ورد في الاوراق النقاشية السبعة لجلالة الملك وأهمها محاربة الواسطة والمحسوبية والعمل على تنفيذ هذه التوجيهات مباشرة ، لمعالجة هذا المرض المزمن.
وفي النهاية : حمى الله هذا البلد المبارك قيادة وشعبا وأرضا ، ورحم الله الشهداء رحمة واسعة واسكنهم فسيح جناتة . والهم اهلهم وذويهم الصبر وحسن العزاء. الذين ليس لهم سبب ولكن سوء الادارة من قبل بعض الاشخاص المتنفذين في دوائرهم ومؤسساتهم وهم غير مؤهلين لذلك ..
الدكتور مفلح الزيدانين
دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي وادارة الموارد البشرية