العبرة بالمحاسبة في كارثة البحر الميت
عمر الرداد
27-10-2018 01:16 PM
وكأنه لم يكن ينقصنا في الأردن إلا فاجعة بحجم كارثة البحر الميت التي أودت بحياة أطفال بعمر الزهور،لتكشف المزيد من عوراتنا ،وحجم الخلل في المفاهيم الأساسية بالإدارة العامة،وان كم المشاعر والعواطف الجياشة مع كل أزمة لم ولن تقدم حلولا لأزماتنا،وهذا ما أكدته غضبة جلالة الملك على الكارثة التي عبرت عن مشاعر كل الأردنيين وإحزانهم،ومطالبته بالتحقيق وكشف الحقائق ومحاسبة المقصرين.
حكومة الدكتور الرزاز أمام امتحان صعب اليوم على خلفية هذه الكارثة في ظل توجيهات ملكية بالتحقيق والمحاسبة، وشارع متعطش لمعرفة الحقيقة وإجراءات وقرارات شفافة بمحاسبة المسؤولين، خاصة بعد انطلاق حملة تراشق اتهامات بين كافة الجهات المعنية بالكارثة لرفع المسؤوليةعنها.
واضح من خلال التسريبات ،وما يتدفق عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات ووثائق ومعلومات أن جهات عديدة تتحمل مسؤولية الكارثة، إلا أن ثقافة الانكارالمتفشية في المجتمع /والتي تشكل احد أهم أركان مكوناتنا الثقافية،حالت و تحول دون إعلان أي مسؤول انه يتحمل المسؤولية عن الكارثة او جزء منها ،ولو بصفته الاعتبارية.
وفي ظل تداول مكثف للكارثة ،لا يخلو من عواطف نبيلة، بدأت تتوسع دائرة المتهمين بالمسؤولية،ما بين وزارات التربية "صاحبة الاختصاص بالقضية"والإشغال والصحة إلى المدرسة التي نظمت الرحلة، بالاتفاق مع شركة سياحية متخصصة بتنفيذ المغامرات، مرورا بقرارات غير مسؤولة بفتح سد زرقاء ماعين لتخفيف الضغط على السد، وشبهات فساد في تنفيذ الجسر على طريق البحر الميت ،وصولا إلى دائرة الأرصاد الجوية وعدم تحذيرها من الحالة الجوية لوقف إتمام الرحلة، و"الجلبة" حول كتاب الموافقة الصادر عن وزارة التربية لإتمام الرحلة.
ما زلنا في أوائل فصل الشتاء "أول شتوة"والأردن جغرافيا ليس كدول الخليج مثلا ،اذ من غير المقبول أن نفاجأ بإمطار وفيضانات وسيول لا تكون استعداداتنا لها كافية، ولا يمكن أن تتركز الاستعدادات لفصل الشتاء في العاصمة ،وان تترك الأطراف في الأرياف والبوادي لمصيرها،وما تم تداوله من فيديوهات في بعض المحافظات، بعد اقل من نصف ساعة من الأمطار، يؤكد ان كوارث قادمة"لا قدر الله" ستقع في مناطق أخرى،ب "شتوات "مشابهة.
الحزن العميق على كارثة البحر الميت لن يعيد الأطفال إلى الحياة،والقول أنها درس للاستفادة منه في التعامل مع الأزمات"كثرت الدروس" ،وإعادة النظر في عطاءات ترميم الطرق والجسور ،تبقى إجراءات مهمة، خاصة إذا ما ذهبت في إطار الاستعدادات لمواجهة كوارث الشتاء إلى خارج عمان والمدن الرئيسة ،الا أن إنهاء القضية باعتبارها قضاءا وقدرا فقط ،والبحث عن كبش فداء " الطرف الأضعف "لتحميله مسؤولية الكارثة لن يكون حلا مقبولا،حتى لو تم إغلاق المدرسة صاحبة الرحلة،فهناك شارع يغلي، لم يعد يثق بالإجراءات الحكومية،وهناك همس بان القضية ستمر كما غيرها من قضايا كثيرة،مع قناعات بان كافة الإطراف التي يتم تداول أدوارها تتحمل المسؤولية عن الكارثة بنسب مختلفة.
مدير عام مركز ابن خلدون للدراسات"عمان-الأردن"
oaalraddad@gmail.com