هل أعاتب المطر أم أشكو حزني إلى الغيم ، أم إنه تشرين يأتي كل عام ليشعل الحزن والغياب من جديد ، لا أقوى على الكتابة والحروف تتماهى أمامي ويذوب الورق إذ يختلط الدمع مع الحبر ، كما تذوب قلوب الأمهات حزنا على موت فلذات أكبادهن.
أطفال بعمر الورد وأزهى ، يبتلعهم السيل الذي تقول عنه أمي أنه لا ينام ، ما ذنبهم إلا الإهمال والإستهتار ، وقدر الله ماضي في حكمه ، ما ذنب البنات اللواتي خرجن صباحا وودعن حضن الأمهات مثل الفراشات ، تركن قبلات الآباء عند الباب ، تركن صوت خشخشات الأساور في الفراش الفارغ ، تركن بكلات الشعر الندّي الذي لم يجف بعد على الطاولة.
أي كلام يطاول هذا النهر من الحزن الذي غشانا منذ ليلة أمس ، لم إستيقظت أيها البحر الميت الذي مات منذ قرون ، تستيقظ وتخطف أجمل ما فينا ، يا قاسي القلب كيف تبتلعهم ، ألم تسمع صراخهم ، وأصابعهم النحيلة التي تتمسك بأطراف الوادي والصخر المزروع على الأكتاف.
يا موت ترفق بهم ، بشعرهم الندي ، بوجوههم الوسيمة ، بضحكاتهم الخجولة .. يا موت ترفق بهم وإغسلهم عن ملح البحر وهم يصعدون إلى السماء.
عشرون طفلا سنزرعهم في التراب ، سيذهبون هم للجنة طيورا ، أما من قصّر من المسؤولين والمتخاذلين من لهم .. من يحاسبهم .. هل نحتاج إلى عشرين من الضحايا الأبرياء لنقول أن أول شتوة تكشف عوراتنا وضعفنا وهشاشة بنيتنا التحتية التي بناها مقاولين الفساد ، وأن الجسور ضعيفة كمثل ثقتنا بالحكومات ، ماذا سيقولون لله أن الوطن أكله الترهل وعدم الحساب رغم آلآف الأخطاء ، وأن المسؤول المقصّر يعود كمثل كل مرة إلى بيته براتب تقاعد والأصل يذهب إلى المحكمة.
ناموا يا صغاري ، ناموا فنحن ميتين منذ زمن ، منذ أن قبلنا كل هذا الخراب وهذا الفساد الذي يبتلع كل شيء في بلدنا مثل السيول التي جرفتكم ، وقلوبنا مثل البحر الميت لم تعد تتسع إلا للحزن والإحباط والحلم بوطن مات شهداءه يوما لنعيش ونحميه.