الفاجعة ثقيلة ومؤلمة ولن تفارق ذاكرتنا لسنين طويلة. لقد فقدنا أعز وأغلى وأجمل الأحبة؛ أطفالا بعمر الورد، وكذلك مدرسات شابات حملن مسؤولية الأمانة.
وسط فجيعتنا بخسارة عشرين من أبنائنا وبناتنا، لا ننسى أن الجهود الجبارة التي بذلها رجال الدفاع المدني وبمساعدة من مختلف الأجهزة الرسمية والمواطنين، نجحت في إنقاذ حياة 35 مواطنا من موت محقق، في ظروف جوية بالغة الخطورة، ومناطق شديدة الوعورة.
لكن قبل أن تنقضي الليلة الحزينة، كانت أسئلة الفاجعة تطرح نفسها بقوة، هل كان يمكن تجنب هذه المصيبة؟ لماذا سمحنا بتسيير رحلات مدرسية رغم تحذيرات الأرصاد الجوية من أمطار غزيرة وسيول جارفة في المناطق عينها التي قصدتها الرحلة المدرسية؟ هل تحايلت إدارة المدرسة على التعليمات وحولت مسار الرحلة خلافا لتصريح وزارة التربية؟ من يراقب التزام المدارس ببرنامج الرحلة ومسارها؟ هل كان انهيار الطريق بسبب خلل هندسي في البناء أم هي شدة السيول وقوتها جرفت كل ما في طريقها؟ والسؤال الأخلاقي المؤرق، لماذا فقدنا الحس بالمسؤولية ونحن نمارس عملنا، وارتضينا حالة اللامبالاة حيال واجباتنا؟
دعوات المساءلة والمحاسبة انطلقت من كل الجهات وعلى أعلى مستوى في الدولة والحكومة. جلالة الملك كان حزينا ومتألما، لكن غضبه من المقصرين في القيام بواجبهم يوازي حزنه.
رئيس الوزراء عمر الرزاز، وبعد ساعتين فقط على الفاجعة توعد بفتح تحقيق شامل لمحاسبة المقصرين، والمستهترين بحياة الأبرياء. وفي ساعة متأخرة من ليلة أول من أمس كان محافظ العاصمة يتواجد داخل مدرسة فكتوريا لمتابعة التحقيقات بنفسه، واتخاذ الإجراءات اللازمة.
وبموازاة التحقيق الذي فتحته وزارة التربية من المفترض أن تبدأ النيابة العامة تحقيقا قضائيا في الحادثة، وصدر أمر بمنع السفر بحق أصحاب المدرسة والمعنيين في القضية.
أمس حدثني النائب خالد بكار عن منطقة الأغوار الشمالية، عن الإهمال المزمن بمشاريع البنية التحتية في مناطق وادي الأردن، وتكرار حوادث السيول الجارفة وضحايا في كل سنة من أبناء المنطقة الفقراء، وغياب الرقابة والمساءلة رغم تكرار الحوادث. والأسوأ من ذلك غياب وسائل السلامة العامة على الطريق وافتقارها للشواخص التحذيرية، وعدم اكتراث الأجهزة المعنية بالتحذيرات الجوية. فمؤسساتنا ما تزال تعمل كجزر معزولة، ولو لم تكن كذلك لأخذت على محمل الجد تحذيرات دوائر التنبئوات الجوية، وعلقت الرحلات المدرسية هذه الأيام، لا بل وأغلقت الطريق بشكل كامل.
هناك العشرات من الرحلات المدرسية التي تواجدت يوم الخميس في منطقة وادي الأردن ومحيط محافظة مادبا، ولولا لطف الله لشهدنا حوادث مماثلة لفاجعة البحر الميت، فالمناطق المشار إليها مليئة بالوديان وتحيطها مرتفعات جبلية تفرغ ما في جوفها من مياه أمطار صوب الوادي السحيق، وكثيرا ما تتسبب بانهيار الطرق وتسجيل حوادث انزلاق مركبات مميتة، إضافة إلى خسائر في البنية التحتية. كيف فاتنا كل ذلك رغم خبرة السنين مع الأحوال الجوية؟
الفاجعة قاسية وتدمي القلوب، ولا بد من لجنة تحقيق تضم مختصين مستقلين، ونوابا بالإضافة إلى ممثلين لأبناء المنطقة للوقوف على تفاصيل الواقعة وتحديد المسؤولين المقصرين، والإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتأمين الطريق حتى لا تتكرر المأساة. وقبل هذا وذاك إعلان صريح من وزارة التربية والتعليم بتعليق الرحلات المدرسية في فصل الشتاء.
الغد