عمون-الوزير الذي استقال من منصبه بسبب حريق غابات في اليونان ليس هو من أشعلها بعود كبريت , لكنها المسؤولية الأدبية وهي ثقافة غائبة تماما عن ذهن المسؤولين في بلادنا وعوضا عن ذلك يتشبثون بالمنصب ويلقون باللائمة على من هم أدنى في سلم الوظيفة أو على الغير وعلى سوء الحظ والأقدار.

هذا ما حدث بالضبط في فاجعة البحر الميت فراح الوزراء يلومون المدرسة وجهل الأهالي والطلبة وقد يكون ذلك صحيحا نوعا ما لكن ذلك لا يعفيهم من تحمل المسؤولية الأدبية والفنية والمهنية في مواجهة ما حدث.

!-صحيح أن معظم الحوادث أو الأخطاء التي تقع وينجم عنها كوارث بسيطة كانت أم كبيرة لا دور ولا مسؤولية مباشرة فيها للمسؤول وزيرا أو مديرا , لكن ذلك لا يعفيه من تحمل المسؤولية بصفته الرسمية وموقعه الأدبي وليس بالضرورة أن يكون التقصير سببا لإعترافه بالخطأ بل تكريسا لثقافة المسؤولية الغائبة تماما عن قواميسنا الإدارية.

أستطيع هنا أن أعدد مئات الأمثلة التي إستقال فيها وزراء في العالم لتكريس هذه الثقافة المهنية العريقة , ولم يكن لهم أدنى مسؤولية في الأحدث التي دفعتهم لإخلاء مواقعهم لكنهم نالوا وسام الإحترام والتقدير إعلاء لشأن وقيمة المسؤولية الأدبية والالتزام الأخلاقي أمام الرأي العام

في بلغاريا إستقال ثلاثة من الوزراء ، بسبب حادث تحطم حافلة أسفر عن مقتل 17 شخصا ووزير التجارة الأميركي الأسبق استقال من منصبه بسبب حادث سير تسبب به ، وفي مصر إستقال وزير النقل بعد مقتل اكثر من اربعين طفلاً واصابة آخرين في حادث تصادم قطار بحافلة مدرسية وقدم وزير الاقتصاد في تايوان استقالته إثر انقطاع التيار الكهربائي.

مسؤولية الوزراء في الحوادث السابقة هي مسؤولية أدبية ولم تكن مباشرة فالوزير لم يكن هو من قطع الكهرباء ولم يكن هو من يقود القطار ولا السيارة ولم يكن كذلك من أشعل حريق الغابات , والحوادث جميعها كانت قضاء وقدرا في ثقافتنا لكنها المسؤولية الأدبية التي إلتزم بها هؤلاء المسؤولون عندما قصروا في تهيئة البيئة المانعة لوقوع مثل هذه الحوادث أو التخفيف من أثاره

ندرة هي اسـتقالة وزير بسبب قرار خاطئ أو سياسة غير مقنعة، ويبقى السؤال المعلق: ما معنى المسؤولية؟ فإما أنه ليس هناك مسـاءلة أو أن الوزراء الذين تداولـوا على المنصب لم يرتكب أي منهم أخطاء تستحق المساءلة!.

عندما يخطئ مسؤول أو أن حدثا جللا بحجم كارثة البحر الميت يقع بينما هو في سدة المسؤولية فإن الاستقالة لها قيمة ولها اعتبار، حتى لو لم يكن الخطأ من صنع يديه .