لم يغادر فلسطين هاربا وانما لافشال مؤامرة دبرها القتلة في اسرائيل ضدهساد الاوساط السياسية والاعلامية العربية جدل واسع حول قرار المفكر العربي عزمي بشارة عدم العودة لاسرائيل بعد توجيه الاجهزة الامنية هناك تهما غير مسبوقة ضده, ومن ثم قرار بشارة بالاستقالة من الكنيست, والقرار الاخير كان قد اتخذه منذ زمن لاعتبارات لا علاقة لها بالقضية »المشبوهة« المثارة بحقه.
كثيرون من محبي واصدقاء المناضل عزمي بشارة فوجئوا بقرار مغادرته للخارج »مؤقتا«, ومن موقع الحرص والتقدير طالبوه بالعودة وتحدي الاسرائيليين امام القضاء وتحمل سنوات السجن دفاعا عن قضية وطنية وقومية اخلص لها. وفي المقابل كان هناك قلة من المشبوهين في الداخل والخارج حاولوا تصوير قرار بشارة بأنه هروب من مواجهة اتهامات تتصل بقضايا مالية. وروج هؤلاء في بعض وسائل الاعلام اكاذيب جاءت لائحة الاتهام الرسمية لتدحضها تماما. فقد وجه المدعي العام الاسرائيلي للمناضل بشارة تهما تتعلق بعلاقاته مع اطراف في المقاومة اللبنانية وهي التهم التي نفاها الرجل جملةً وتفصيلا.
التقينا بشارة منذ ايام في عمان وسمعنا الرواية الكاملة, ويمكن تلخيص القضية في الآتي:
اولا: يعرف د. بشارة اكثر من غيره دهاليز المحاكم الاسرائيلية, وقد ادرك منذ البداية ان هناك مخططا مبيتا لتحطيمه هو وحزبه الفتي نظرا لمواقفه وسياساته التي باتت تحرج اسرائيل على كل المستويات.
ثانيا: التهمة الموجهة لعزمي بشارة عقوبتها تصل الى الاعدام, تخفف الى السجن المؤبد مدى الحياة. وفي حالة بشارة الصحية - »يعيش بكلية واحدة« - لا يتورع, قتلة, كالذين يحكمون في اسرائيل عن تدبير مؤامرة تنهي حياته في السجن عن طريق التلاعب بالادوية التي يواظب عليها.
ثالثا: وجود عزمي بشارة مؤقتا في الخارج يحول دون محاكمته غيابيا حسب القانون الاسرائيلي وهذه نقطة لصالحه بالتأكيد.
رابعا: يترتب على تسليم عزمي بشارة نفسه ومحاكمته وادانته حل الحزب الذي يقوده وشطب عضويته في الكنيست وتلك خطوة تنطوي على مغامرة تهدد حياة رفاقه من اعضاء الحزب.
لا يطيق بشارة الحياة خارج ارضه فرغم التقدير والاحترام الذي يحظى به في العواصم العربية على كافة المستويات يسكنه الحنين للناصرة ويافا واهلها, فهناك عاش وناضل وشكل وعيا قوميا فريدا تعرض للامتحانات القاسية مرات كثيرة فتخرج مفكرا قوميا علّمنا جميعا وهو يعيش في »دولة اسرائيل« معاني الانتماء القومي والوطني للأمة العربية في اشرف صورها.
لسنا في وضع يسمح بالمزاودة على بشارة, ولاننا نثق به سنقبل ونؤيد قراره في البقاء بين اهله وشعبه على امتداد الارض العربية او العودة الى وطنه فلسطين متى وجد ذلك مناسبا.
لا تنقصنا التضحيات فقائمة شهداء الامة طويلة, نحن بحاجة الى عزمي بشارة المفكر المبدع وليس الشهيد.
ومن الجنون ان نطلب من عزمي بشارة ان يذهب للموت طائعا كي يثبت لنا بعد رحلة الشقاء والتحدي الطويلة انه مناضل ووطني.
على المستويين الرسمي والشعبي, في الاردن والدول العربية الاخرى, قوبل بشارة بالترحيب.ونتمنى ان لا يتغير الحال خاصة وان الرجل يحترم خصوصيات كل بلد ولا ينوي التدخل في سياساته ابدا.