الازدحام في كل شيء أصبح سمة دائمة من سمات مدينة عمان، أزدحامات السير تعودنا عليها وشتائم الغاضبين من خلف النوافذ المغلقة لانسمعها ولكن كل واحد منا يدرك من تعابير وجه السائق أنه يشتم، وبينما يعلن رقباء السير بصورة غير مباشرة عجزهم عن السيطرة على مخالفات المرور نشاهد انهيار قانون السير بصورة تدريجية وبعد أن كنا نصاب بالدهشة عندما نرى سائقي السيارات في عاصمتين شقيقتين لايتوقفون عند الاشارة الحمراء فقد أصبح تجاوز الاشارة الحمراء مشهدا مألوفا في عمان، والمرور بعكس أتجاه السير أمام مبنى (الرأي) أمرا واقعا أقوى من قانون السير وشرطته .
ومع أن أرقام دائرة الاحصاءات العامة تشير الى أن الكثافة السكانية في العاصمة أرتفعت من 243 شخصا لكل كيلومتر مربع عام 2002 الى 286 شخصا لكل كيلومتر مربع عام 2006 الا أن هذا لايعكس الازدحام الحقيقي في العاصمة لأنه يقيس على المساحة الكلية لمحافظة العاصمة وبالتأكيد فان الازدحام في مناطق مثل الحسين (المخيم) والوحدات والاشرفية ووسط البلد ربما يتجاوز عشرة ألاف مواطن في الكيلومتر المربع.
الازدحام أمام مطاعم الفلافل بدوره صار مشهدا يوميا برغم رفع أسعاره الامر الذي يعكس أنتقال فئة كبيرة من الناس من خانة رواد الجزارين الى خانة رواد الفلافل، وبرغم أدعاء كبار أصحاب محلات الفلافل أن الكلفة أرتفعت وهامش الربح ضئيل الا أن أحدهم أفتتح العام الماضي الفرع الخامس عشر من سلسلة الفلافل التي يمتلكها.
في سوق الخضار هناك أزدحام من قبل رواد الشراء المباشر قبل تمرير الخضار والفواكه الى (صيدليات الخضار) في الاحياء، والامر ذاته في الاسواق الشعبية التي تناقصت شيئا فشيئا وأغلقت واحدا تلو الاخر بفعل فاعل ضاغط لصالح تجار وجهات أخرى لاتؤمن بالاشتراكية ولا بحق الفقراء في سلعة رخيصة .
الازدحام على طلب المياه بلغ أشده هذا الصيف بحيث لايحصل المواطن على تزويد المياه من الشبكة الا يومين في الاسبوع في جميع أحياء العاصمة باستثناء حي واحد تحجب المياه عنه يومين فقط في الاسبوع، لتتمتع المسابح بالماء المتدفق خمسة أيام كل أسبوع، واذ تعلن الامم المتحدة أن خط الفقر المائي الف متر مكعب سنويا للفرد فان المواطن الاردني يحصل فقط على 175 مترا مكعبا من المياه في العام، ومع ذلك فان لدينا أكثر من مليون مقيم دائم غير أردني نصفهم من الاشقاء العراقيين والبقية من العمالة الوافدة يستهلكون من المياه أكثر من مائتي مليون متر مكعب من المياه سنويا ناهيك عن الازدحام في كل مكان.
الازدحام يبلغ وضعا خانقا أمام وسائط النقل أمام الجامعات ومجمعات السفريات، ولايمكن لأي منا أن يدرك ذلك الا قرر مكرها خوض تجربة المشاة والتنقل بوسائل النقل العام عندما تتعطل سيارته.
في المقابر هناك أزدحام شديد من الموتى والاحياء على حد سواء، فالموتى الذين لاتتسع لهم المدافن يدفنون فوق ذويهم السابقين لهم في الرحيل، وهناك مقابر أعلنت حالة الشبع وأكتفت من ضم رفات الاعزاء علينا، أما الاحياء فانهم يتزاحمون بشدة على تقديم واجب العزاء قرب المدفن من أجل سرعة المغادرة رغم أن أحدا لم يجبر أيا منهم على الحضور، أما الازدحام في بيوت العزاء وصواوينه الكبرى فحدث ولا حرج حيث يتذكر الحضور كل قضايا البلد وكواليس السياسة والتجارة ولا يذكر أحد شيئا عن (محاسن موتاكم)، وتدور الاحاديث مترعة بالغيبة وربما النميمة أيضا .
وحدها المساجد لاتشهد أزدحاما ستة أيام في الاسبوع وتشهد شيئا قليلا منه وقت صلاة الجمعة، وربما ينفع التذكير بقوله تعالى (أقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)
صدق الله العظيم.
الراي.