الدعوة إلى إعادة تعريف خطاب الكراهية وفق المعايير الدولية
24-10-2018 02:22 AM
عمون - وجّه مركز القدس للدراسات السياسية اليوم مذكرة للجنة القانونية الدائمة في مجلس النواب تدعوها فيها إلى مراجعة معمّقة لمشروع القانون المعدّل لقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 الذي نسّبت الحكومة د. عمر الرزاز بإدراجه ضمن البنود التي أضيفت بتاريخ 26/9/2018 إلى الإرادة الملكية بدعوة مجلس الأمة للانعقاد في دورة استثنائية.
ويُذكر أن مشروع القانون المعدِّل قد أعدته حكومة د. هاني الملقي، وأرسلته إلى مجلس النواب بتاريخ 28/5/2018، إلا أنه لم يُدرج على جدول أعمال المجلس إلا في الجلسة الأخيرة من أعمال الدورة الاستثنائية، فأحاله المجلس إلى لجنته القانونية مع صفة الاستعجال.
وأوضحت المذكرة إن إلقاء نظرة سريعة على مشروع القانون المعدِّل تبُرز أننا إزاء مشروع قانون سيىء يراد به أن يكون "قانوناً لـلرعب"، وإن أُقرّ هذا المشروع كما هو، فسيكون أثره مدمراً على حرية التعبير والرأي. ولذا ربما كان الأجدى بالحكومة أن تسحب هذا المشروع، وتعيد النظر فيه لتُضيف إليه فقط الجرائم غير المشمولة حقاً بقانون العقوبات. وأوصت المذكرة بعدد من التوصيات الرئيسية، أبرزها:
أولاً: النص على التعاريف التي أشار إليها مشروع القانون المعدّل في قانون العقوبات ضمن قانون الجرائم الإلكترونية نفسه، وعدم النص على عقوبات لمواد في قانون العقوبات، بحيث تقابل العقوبات التي يتضمنها القانون، جرائم منصوص عليها في قانون الجرائم الإلكترونية نفسه.
ثانياً: اعتماد تعريف جديد لخطاب الكراهية يراعي المعايير الدولية وبخاصة مبادىء كامدن لسنة 2009، وخطة عمل الرباط لسنة 2012 ، والتأكد من أن تجريم خطاب الكراهية محدد ودقيق، ويوضح صلة التعريف بدوافع الجريمة، على أن يخلو من الإشارات المجردة للعنف ونشر الإشاعة.
ثالثاً: تنقيح العقوبات التي وردت في مشروع القانون المعدِّل بحيث يتم مغادرة الميل التلقائي لمضاعفة العقوبات عدة مرات، واعتماد عقوبات واقعية تنسجم مع طبيعة الجريمة ودوافعها.
وكانت المذكرة قد ناقشت أبرز مظاهر الخلل في مشروع القانون المعدّل، وحدّدتها في ثلاثة عناوين رئيسية، هي: هزالة مضمون الصياغة التشريعية لمشروع القانون، دمج الدعوة للعنف ونشر الإشاعات جزافاً بخطاب الكراهية، والمبالغة في مضاعفة العقوبات دون مبرر مقبول.
وأوردت المذكرة أمثلة على هزالة مضمون الصياغة التشريعية لمشروع القانون من حيث أن المشروع قد ربط نفسه في حالتين بقانون آخر، هو قانون العقوبات: ففي الحالة الأولى، أضاف المشروع فقرة تتكىء على التعاريف الواردة في قانون العقوبات دون أن يذكرها ويُدرجها في المادة الثانية من القانون المخصصة لذلك. وفي الحالة الثانية، أضاف مشروع القانون فقرة تنص على عقوبة لمن يرتكب أياً من الجرائم المنصوص عليها في خمس مواد في قانون العقوبات فارضاً بهذا عقوبةً على جريمة لا ينص هو عليها، بل منصوص عليها في قانون آخر، ما يعبّر عن عدم احترام لأصول الصياغة التشريعية؟!
أما المظهر الآخر من مظاهر الخلل في الصياغة التشريعية، فهو يتمثل بدمج الدعوة للعنف ونشر الإشاعات جزافاً بتعريف خطاب الكراهية الذي جاء به مشروع القانون.
وأكدت المذكرة أنه برغم أن خطاب الكراهية مصطلح فضفاض بطبيعته، غير أن هناك معاييراً كان يجب مراعاتها، بعضها يتعلق بالاتفاقيات الدولية، ويتناول إشكالية خطاب الكراهية وبخاصة مبادىء كامدن حول حرية التعبير والمساواة التي أطلقتها منظمة المادة (19)، وخطة عمل الرباط لعام 2012 التي أعدتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وبعضها الآخر يتعلق بدقة الصياغة من حيث المعنى.
وشدّدت المذكرة على أن تعريف خطاب الكراهية بحاجة إلى مزيد من الدقة لإبراز صلة التعريف بالدوافع وأركان الجريمة الأساسية، حتى لا يتم حشر كل أنواع النشر للقول نفسه في سلة واحدة بغض النظر عن المقاصد والغايات.
وأشارت المذكرة إلى أن هناك فكرتين وردتا في التعريف على نحو يتجاوز صلتهما بخطاب الكراهية، مثل "الدعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره"، ما يعني تجريم كل دعوة مفترضة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره، على نحو مطلق، بينما ليس هذا من وظائف تجريم خطاب الكراهية، لأن هناك نوعاً محدداً من الدعوة للعنف التي تشكل جزءاً من خطاب الكراهية، هي الموجهة تجاه المكونات الاجتماعية المختلفة أو الأقلية أو الضعيفة، وليست الدعوة المجردة للعنف التي يجب محاكمتها ضمن سياقها حتى يتبين إن كانت تعبّر عن رأي مشروع أم تمثّل خروجاً عن القانون.
وأبرزت المذكرة أن الشيء نفسه ينطبق على الفكرة الأخرى في تعريف خطاب الكراهية، والتي نصّت على "نشر الإشاعات بحق أي شخص من شأنها إلحاق الضرر بجسده أو ماله أو سمعته"، وأوضحت المذكرة أن هذه الفكرة أيضاً لا علاقة لها بخطاب الكراهية إلا إذا كانت موجهة نحو الفئات الاجتماعية المستهدفة بخطاب الكراهية، أما نشر الإشاعات كقضية عامة، فيتعين معالجتها في نطاق أحكام قانون العقوبات، وليس باعتبارها مكوناً أصيلاً من مكونات خطاب الكراهية.
وبيّنت المذكرة أن هناك مبالغة في مضاعفة العقوبات عدة مرات في معظم مواد مشروع القانون المعدِّل تتراوح من بين مرّة واحدة إلى 13 مرّة. وأشارت إلى أن الأسباب الموجية برّرت تشديد العقوبات بازدياد عدد الجرائم الإلكترونية المرتكبة وعدم تحقيق العقوبة في القانون النافذ لغاياتها. وحاججت المذكرة في أن هذا التأكيد بحاجة إلى إثبات يدعمه بالأرقام، كما أنه لا يكفي الاستناد إلى عدد القضايا المحولة إلى القضاء، فليس كل القضايا التي تُحول إلى القضاء يُحكم فيها ضد المتهمين.
ولعل ما يلفت الانتباه أن مضاعفة العقوبات لم يقتصر على مواد معينة بل شمل معظم المواد بحجة الردع، وهذا يعبّر عن "نزق سياسي" يضيق ذرعاً بكل أشكال حرية التعبير، ويتجاهل حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي هي في نهاية المطاف أدوات لإبداء الأراء ومخاطبة السلطات والمشاركة في صناعة الرأي العام. وبما أن قانون الجرائم الإلكترونية قانون خاص، لذا ينبغي أن يكون دقيقاً ومحدداً، وأن لا ينزلق إلى مضاعفة العقوبات تعبيراً عن الرغبة في تكميم الأفواه.