بسم الله الرحمن الرحيم
ولد المرحوم الحاج أحمد الدوجان عام 1910 في مدينة السلط و بها نشأ وترعرع , وكان والده الحاج دوجان البزبزالحياري من وجهاء عشيرة الحيارات ورجالات السلط المعروفين .
لم يدخل الحاج أحمد المدارس ولم يذهب إلى الكتّاب, لذلك لم يتعلم القراءة والكتابة ولكنّه كان متديناً منذ صغره, إذ كان يحضر دروس العلم التي يلقيها الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني وغيره من المشايخ في مسجد السلط الكبير, وكان له صداقة مع الشيخ عبد الحليم مفتي السلط وإمام وخطيب مسجدها الكبير, وربطته صداقة أيضاً مع المرحوم عبد الحليم بدران صاحب صيدلية الشرق بالسلط و أحد رجالات الخير والإصلاح و أحد مؤسسي التيار الإسلامي فيها.
كان أحمد الدوجان رحمه الله شغوفاً بحمل السلاح منذ بداية شبابه كبقية أهل مدينته, وشغوفاً بالجهاد حتى لكَأن الجهاد يسري بجسده كما يسري الدم, لذلك ما إن قامت ثورة عام 1936 في فلسطين حتى التحق بها مع بعض شباب السلط , وهناك في أرض الجهاد تعرّف على الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي كان أيضاً مشاركاً بالثورة, فترافقا وربطته علاقة ممتازه معه, وأحبه الحاج عبد اللطيف كثيراً لما لمس فيه من تدين وشجاعة وبراعة في استعمال السلاح وحرصه على الجهاد.
عاد الحاج أحمد إلى السلط بعد انتهاء الثورة , ومارس أعماله بالزراعة والفلاحة في أراضي عائلته, وما أن قامت حرب 48 وسمع أنّ صديقه الحاج عبد اللطيف قد ذهب على رأس سرية من المجاهدين إلى فلسطين ( سرية أبو عبيدة عامر بن الجراح ) حتى ترك عمله رغم أنّ الوقت وقت حصاد وامتشق بندقيته والتحق برفيقه في صور باهر بالقرب من القدس, واشترك في العديد من المعارك التي خاضتها سريته وأبلى فيها البلاء الحسن في القتال ضد اليهود الصهاينة .
وعند نهاية الحرب عاد مع أفراد سريته إلى الأردن, ومارس عمله السابق في زراعة الأرض. كان رحمه الله متديناً محافظاً على صلاته وصيامه وزكاته, وكان يخرج زكاة محاصيله من القمح والزيتون والزبيب قبل أن يبيع منها شيئأ, ولقد رآه كثير من أهل السلط وهو يحضر أكياس القمح ويضعها أمام المسجد الكبير ويقوم بتوزيعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
قام الحاج أحمد الدوجان بآداء فريضة الحاج عام 1960, وبعد عودته قرر الذهاب للجهاد بالجزائر حيث كانت ثورتها مشتعلة واشترى تذكرة سفر بالطائرة, فهذا طبعه الذي جُبل عليه ما إن يسمع بالجهاد ببلد إلا وتشتاق نفسه للمشاركة فيه لا يمنعه من ذلك بُعد المسافات ولا تكاليف السفر, ولكنّه مرض ومات قبل أن يحقق رغبته, وتوفي رحمه الله في الشهر الأول من عام 1962. وذكر لي ابنه الأخ والصديق اللواء المتقاعد محمد ( أبو عبدالله) أنّهم وجدوا تذكرة الطائرة بين أغراضه بعد موته.
له من الأبناء خمسة هم المرحوم سالم - وبه كان يكنى - وصالح, محمد, محمود, وابراهيم حفظهم الله جميعاً ووفقهم لما يحبه ويرضاه.
كان رحمه الله قنّاص ماهر وبارع ويعرف الكثير عنه كذلك, وأذكر هنا قصتين تدلان على مهارته بالقنص وإجادته إصابة الهدف بدقة متناهية :-
الأولى عندما التحق بسرية أبو عبيدة في صور باهر, شكى له المجاهدين من وجود مستعمرة صهيونية على تلة مرتفعة, وتتحكم بمفترق طرق رئيسية وتشكل خطراً على تحركاتهم, وبها برج اسمنتي عالٍ وحصين يطلق النارعلى المارة وعلى من يحاول اقتحام المستعمرة , فقال لهم الحاج أحمد إذا ما حلّ الليل حاولوا أن تقتربوا من شيك البرج وعندما يُطلَق عليكم النار أُحدد أنا الفُتحة التي يخرج منها النار ثمّ أتصرّف, وفعلاً ذهبوا واقتربوا من البرج وأطلِقَت عليهم النيران وحدد الحاج أحمد الفتحة الصغيرة التي خرج منها الرصاص، وقام بتوجيه بندقيته لها وأطلق عليها النار, وبعد مدة قال لهم اقتحموا البرج وقاموا باقتحامه ولم يُطلق عليهم منها النار, ووجدوا بعد الاقتحام المقاتل الصهيوني مصاباً في رأسه ومقتولاً.
وأما القصة الثانية فلقد رواها لي أحد أقاربي رحمه الله قال:( في منتصف الخمسينات دخلتُ الحرس الوطني الذي شكلته الدولة ليكون رديفاً للجيش في رد غارات المغتصبين الصهاينة, التي كانوا يقومون بها على القرى الحدودية في الضفة الغربية, وبعد أن أنهينا التدريب العسكري المطلوب, ذهبنا لميدان الرماية الواقع خلف مقام النبي شعيب من الجهة الجنوبية وكان هذا الميدان يستخدم من قبل الجيش والحرس الوطني والحيش الشعبي حتى السبعينات, وبعد أن وضعنا الأهداف وأخذنا بإطلاق النارعليها وكانت عبارة عن زجاجات فارغة وبعد حوالي الساعة, جاء إلينا فلاح كان يحرث بفدان الأرض المطلّة على الميدان ( الفدّان زوج من الثيران ), فقال أين الضابط المسؤول فجاءه الضابط فقال له الحرّاث اسمع يابني أعطني بندقية أُطلق منها النارعلى الأهداف, فإذا لم أُصبها جميعاُ فالفدان لك, وإذا أصبتها جميعاً ولم أخطىء في واحدة فالبندقية لي, فقبل الضابط العرض وأعطاه بندقية, وأطلق النارعلى الأهداف الخمسة فأصابها جميعهاً, مما أدّى إلى اندهاش الضابط والجنود اندهاشاً كبيراً من هذا الحرّاث, فأوفى الضابط بوعده وأعطاه البندقية، فأخذها وعاد ليكمل حراثته والبندقية معه, وعند العصر وقبل أن نغادر الميدان عاد و نزل إلينا ونادى على الضابط وقال له إني أعرف أنّ البندفية عهده عليك وستتغرم ثمنها وهو كبير عليك, لذلك فإنّي أعيدها لك فقام الضابط باحتضانه وتقبيله, وقال له : عمي قل لي من أنت لو سمحت؟ فقال له : اسمي أحمد الدوجان الحياري, ويقول الراوي وهو من الحيارات أنّها المرة الأولى التي عرفت فيها أحمد الدوجان ).
رحم الله الحاج أحمد الدوجان ( أبو سالم ) رحمةً واسعة وجزاه خيراً عن جهاده وتضحيته في سبيل الله, ونعم الرجل هو, وأسالُ الله أن يكون قدوةً وأسوةً لأبناءه وذريته وللأجيال الشابة من أبناء الأمة والوطن وحقه علينا أن لاننساه ولا ننسى جهاده.
23-10 - 2018