وادي عربة .. الحقيقة ضحية الشعبوية
د. عاكف الزعبي
23-10-2018 02:45 PM
اتفاقية وادي عربة عرّابها وقائدها الحسين رحمه الله وهي انجاز وطني تاريخي يحسب له وينبغي ان نتذكرها كفرصة لم يضيعها صاحب الرؤية كما ضيع العرب على فلسطين قبول قرار التقسيم عام 1947.
الشعار الجاهل مجرد ظاهرة صوتية، أما الرؤية فهي لحظة المواجهة مع الحقيقه .والشعبوية بضاعة زائفة، أما تقدير الموقف فهو تحلٍ بأمانة تحمل المسؤولية. ومن لا يملك الرؤية والقدرة على تقدير الموقف لا يتوانى ان يضحي بهما مأخوذاً ببريق الشعار وجاذبية الشعبوية.
كيف انقذ الحسين الاردن في وادي عربة؟
في العامين 1989/1990 إنتهى الاتحاد السوفييتي وتفردت امريكا في قيادة العالم.
في العام 1990 هوجم العراق وذهبت مصر وسوريا الى حفر الباطن لتشارك دول الخليج في الحرب على العراق ورفض الاردن الذهاب لحفر الباطن مما اغضب امريكا.
غضبت امريكا على الاردن غضباً شديداً فأوقفت مساعداتها للاردن وكذلك فعلت دول الخليج.
ظل خليج العقبة بسبب ذلك محاصراً من الاسطول الامريكي طوال خمس سنوات 1992-1996 لتفتيش السفن القادمة لميناء العقبة.
عقدت امريكا مؤتمر مدريد للسلام 1992 ترضية لمصر وسوريا لمشاركتهما في حفر الباطن.
كان وفدا المفاوضات السوري والفلسطيني يسيران كل في اتجاهه دون علم من الاردن حتى ان العلاف رئيس الوفد السوري قال لبعض من الوفد الاردني عندما شكوا من قلة التنسيق (كل واحد إقلّع شوكه بايديه).
فاجأت منظمة التحرير الأردن والجميع بعقد اتفاقية اوسلو عام 1993 إثر مفاوضات سرّية.
وديعة رابين كانت جاهزة في الخارجية الامريكية للتوقيع بين سوريا واسرائيل ولم تذكر فيها كلمة تتعلق بفلسطين او الفلسطينيين مع انها تتضمن عودة جميع الاراضي السورية.
لم يقبل الحسين رحمه الله ان يكون آخر الموقعين على اتفاقية مع اسرائيل فيكون الاردن اكثر الخاسرين هذا اذا رضيت اسرائيل ان توقع اتفاقاً مع الاردن بعد ان تكون قد وقعت اتفاقيات مع مصر وسوريا وفلسطين.
اذا رفضت اسرائيل توقيع اتفاقية مع الاردن سوف تشرع في مشروعها لاقامة الوطن البديل باثارة الفتنة في الاردن.
وادي عربة هي فعل الحسين الذي سبق وأن آثر ان يدخل حرب 1967 رغم نصح البعض له كي لا يدخلها. لانه لو لم يدخلها لكان ثوريو الشعارات حملوه مسؤولية خسارة مصر وسوريا للحرب مما قد يسقط النظام ويؤدي الى انهيار الدولة بسبب النزاع الذي سوف ينشأ بين اصحاب الاراء والاتجاهات السياسية المختلفة مدفوعين بقوى خارجية، وسوف يساعد على ذلك تأجيج اسرائيل للفتنة وربما الحرب الاهلية بين الفلسطينيين والاردنيين سعياً لاقامة الوطن البديل بشروطها التي سوف تهيىء لها لاحقاً ان تقضم ما تشاء من الضفة الغربية.
امام الشعبوية يتراجع احياناً بعض من صنعوا الحقيقة او انحازوا اليها عن الدفاع عنها. لقد سطعت الحقيقة فور توقيع اتفاقية وادي عربة عندما تم الاعتراف بخط الهدنة عام 1949 حدوداً للمملكة. وهي الحدود التي حددها الانتداب بين شرق الاردن وفلسطين قبل ان تنشأ اسرائيل وطالب بها الاردن وحصل عليها. فاستعاد بذلك فور توقيع الاتفاقية 383 كم2 من الاراضي الاردنية التي تحتلها اسرائيل، وسمح للاسرائيليين الافراد الذين كانوا يستغلون ارضاً في الباقورة والغمر منذ ان احتلتها اسرائيل استغلالها لخمسة وعشرين عاماً وانهاء استغلالهم لها اذا شاء الاردن بعد ذلك. وهو ما فعله جلالة الملك بقراره انهاء ملحقي الاتفاقية الخاصين باراضي الباقورة والغمر.
يحق للأردن اليوم ان يقدم اتفاقية وادي عربة باعتبارها انجازاً وطنياً اردنياً في مرحلة انهزام للدول العربية، وفي ضوء تفاوض اردني اضطراري مع اسرائيل في ظرف اسرائيل فيه هي الاقوى. فاتاحت الاتفاقية للاردن ان ينال فرصة لانتظار ظرف قادم ربما يكون أفضل أو اقل سؤاً على الاقل.