إذا كنا نريد مراجعة حقيقية لبعض مسارات الدولة، وإذا كنا نريد أن نعالج بعض المفاصل التي اصابها ما يحتاج إلى ترميم، فإن على الدولة أن تعمل بسرعة واجتهاد على استعادة بعض الأدوات التي بدأ الخطر يلاحق قدرتها على العمل وخدمة الدولة.
لن نبدأ بالسياسة، بل بالإعلام فعلى اصحاب القرار ان يذهبوا نحو مسار جاد يتجاوز تغيير المديرين، الى إنقاذ إعلام الدولة الذي أصاب قدرته على العطاء في ظل المتغيرات ضعف حقيقي. ونتحدث عن الإعلام الرسمي الذي فيه نقاط ايجابية، وفيه جهد كبير كما في وكالة الانباء، لكن علينا ان لا نغمض اعيننا عن الحقيقة الكبرى، وهي أن الدولة تفقد يوما بعد يوم ادواتها في الإعلام الرسمي.
وهنالك إعلام شبه رسمي مملوك من حيث التوجهات والسياسات للحكومة، لكن هنالك ضعفا كبيرا في استثماره وتطويره وزيادة أدواته الاعلامية، وهنالك قناعة مردها العجز او اللامبالاة تجعل من كل من حملوا ملفات الإعلام في كل مواقع النفوذ يمارسون اعمالا إجرائية وانشغالا بالقضايا اليومية، ولهذا تتراكم المشكلات ويتعمق الضعف وتضيع الأدوات أو يغيب حضورها وتفقد الدولة بعض قدراتها.
والأداة المهمة الأخرى هي مؤسسة مجلس النواب. وهنا لا نتحدث عن الاشخاص، بل عن المؤسسة التي تنبع قيمتها الاساسية في انها تمثل الأردنيين، وتعكس مواقفهم ومصالحهم. وهذه المؤسسة تعرضت لظلم كبير خلال السنوات والمراحل الاخيرة، فكل تدخل في عمليات انتاج النواب اوجد لدى الناس قناعة بأنها لا تمثلهم او على الاقل انها محصلة مصالح ومعادلات لا علاقة للناس بها.
وعمليات تطويع المجلس ليخدم الحكومات ولتمرير المراحل على حساب صورته وصلاحياته الدستورية أضعف مكانة هذه المؤسسة، والاداء المتواضع وتحويل اولويات بعض المجالس من قضايا عامة إلى الامتيازات اضعف مكانته الشعبية.
نفوذ المال السياسي، أيضاً، أعطي مساحة، حتى وإن كانت محدودة التأثير. اسباب متعددة جعلت الدولة تفقد تدريجيا الحجم الكبير لدور البرلمان، وعندما تصبح اليوم مطالب حل المجلس شعبية، فهذا ليس موقفا من اشخاص النواب فقط، بل موقف ايضا من دور المؤسسة، ودليل على ان هنالك تراجعا في دورها.
ان استعادة الدولة لهذه الأداة الدستورية ضرورة، ويحتاج الامر الى خطوات جريئة وحاسمة لإنقاذ مكانة المجلس لدى الاردنيين. فالأمر ليس انتقاما من اشخاص النواب، لكن المسار يحتاج الى تصحيح، والخط السياسي والاجتماعي والتشريعي الذي يفرز المجلس يحتاج إلى مراجعة قبل أن نصل إلى مرحلة لا يمكننا معها استعادة هذه المؤسسة الدستورية والأداة المهمة من ادوات ادارة الدولة.
وهنالك ادوات اجتماعية تحتاج الدولة إلى استعادتها، مثل العشائر التي لم تعد في تركيبتها الثقافية مثلما كانت سابقا، لكنها في جوهرها اداة ضبط اجتماعي ومفصل سياسي، بالرغم من كل التغييرات التي افرزتها عمليات التعليم والتغييرات الاجتماعية والسياسية.
واستعادة هذه المؤسسة لا لتكون رمزا للتراث وللحديث عن فنون طهي القهوة والمنسف، بل في سياق عمليات التحول الاقتصادي والاجتماعي.
العشيرة والعائلة ليست أداة احتفالية او لحضور المناسبات، بل هي أداة من ادوات الدولة، لا كما يفهم بعض المسؤولين انها اداة لمراحل واشخاص، وتمثيل القوى الاجتماعية في كل المؤسسات يجب ان يكون بمراعاة لكل التطور وثورة العلم التي تعيشها هذه القوى الاجتماعية.
بصراحة شديدة، فإن بعض هذه القوى الاجتماعية تشعر بالغربة أحيانا وتشعر أن بعض من يحملون مقاليد السلطة التنفيذية لا يحملون فهما عميقا لمصدر قوة العشائر، ولا لدورها بل يرون فيها قدرات اقل بكثير مما تستحق.
وقد يكون جزء من الأدوات الضائعة النخب خارج العاصمة، التي تحتاج الى مساحة أكبر في إدارة السياسات وصناعة القرارات، لان تلك النخب قادرة على ان تكون طليعة في مناطقها لا ان تكون متفرجة على نخب مدللة في العاصمة. اللامركزية يجب ان تكون ايضا في صناعة النخب وإعطاء مساحة واهتمام بنخب المحافظات.
sameeh.almaitah@alghad.jo