الأفكار قُوِّةٌ لا تعرف حدوداًولا سدوداً
أمل محي الدين الكردي
23-10-2018 01:55 AM
إن الفكر هو الذي يقود العالم .أنه القوة الحقيقية التي تقرر مصير الشعوب والأمم وتحدد لها أهدافها وترسم لها الطريق.فليس من شيء أغلى من الطاقة الفكرية في الأمة ،ولا أعظم من نفحات العقل وهمسات القريحة ووثبات الرأي .وأن أهم ما يصبو اليه أعداء الأنسانية هو إبادة أصحاب العقول العبقرية والمفكرة لأنها تزيل من طريقهم قوى الفكر التي تخيفهم.انه ما من إصلاح تم أو تقدم حصل ،وما من نهضة تحققت أو رسالة إنتشرت ،إلا بدأت خاطرة راودت الأذهان ،أو أملا جاش في الصدور ،أو مثلا أعلى توجهت اليه الهمم وتعلقت به النفوس –أي بدأت فكرة تغذى بها صاحبها أولا ،ثم أصبت غذاء للآخرين ومركز لأشعاع منه ينطلق التاريخ .وذلك ينطبق بالطبع على آثار صاحب الفكرة من كتب ومؤلفات ،لأنها شعله منه وجزء من كيانه ،فيها جوهر وجوده وأنت تشعر حين تقرأها بنفحة من نفحاته .
والأفكار تتمتع بقوة ذاتية هائلة لا حدود لها .إنها لا تخنقها المقاومة ولا ترديها الخصومة ،بل إنها لتستكين تحت الضغط زمنا ما ثم لا تلبث أن تنفجر .أنها تفعل فعلها ببطء دائما صديقة كانت أم عدوة.ولئن عارضها فريق وحمل عليها آخر ،فإن هذا لا يحول دون تأثيرها في أصدقائها وفي أعدائها بل وفي أشد الناس هجوماً عليها وهنا مصدر قوتها فهي تدخل الآذان بلا إستئذان وكثيرا ما نفذت الى خصومها دون قصد ،وعلى الرغم منهم .فالأفكار لا تؤخذ عن وعي دائما وإنما هي تحيا غالباً في ضمير الناس لا شعورياً وتنتشر عن هذا الطريق .وفي سيرها تحارب أحياناً ،ولكنها لا تقهر إلا بالأسلحة من نوعها ،آي بأفكار أقوى منها ،إنها في هذه الحالة أشد قوة وحيوية في الواقع ،لأن الواقع كثيراً ما يمثل الماضي المهترىء بينما تكون الفكرة في دماغ عظيم منفذا للفكرة.
والأفكار لا يمكن فرضها بالقوة بل هي التي تفرض نفسها بحسب ما بها من فكر نظيف قابل للنمو والأنتشار وقدرة على التجاوب مع مقتضيات الزمان والمكان. إن الأفكار صور للتعبير عن نبضات حياة حية حقيقية ،فلها حياتها الخاصة مستقلة عن الذين أبدعوها فالأفكار كالأشخاص لها تاريخ زمني يطول أو يقصر وحياة متنوعة الألوان والأشكال .بينما يقدر لبعضها الخلود ويقضى على بعضها الآخر بالاهمال والنسيان .والخلاصة إن كل أنسان يتأثر بالغزو على طريقته الخاصة .وهناك عوامل تجعله يتأثر على نحو دون آخر .فهو يأخذ الأفكار ويتفاعل معها ولا يمكن أن يكون موقفه منها سلبياً بكل معنى الكلمة ،بل أنه ليمنحها كثيراً من شخصيته ويكيفها حسب أحواله هذه هي طبيعة الأنسان في كل زمان ومكان .