إذا صحت الأنباء التي نسمعها أن وزارة المالية رفضت منح إعفاءات جمركية للشركة العربية للتعدين، وأن مندوبها في مجلس إدارة الشركة قد رفض طلب تأجيل الموافقة على تمديد عمر الشركة خمسين عاماً، فنحن أمام معضلة حقيقية. وهي أننا نتذاكى عند القروش ونضل الطريق عند الدنانير.
وإذا صح أن كثيراً من المشروعات الجديدة الكبيرة تتعثر الموافقة عليها لأنها لا تمنح الإعفاءات الاستثمارية المنصوص عليها، فإن لدينا مشكلة واضحة.
وإذا بقي المناخ الاستثماري رهين موافقات اللجان المركزية واللجان الفرعية، والتي تتأخر في اتخاذ القرارات، أو تطلب رسوماً باهظة مقابل الموافقة على ترخيص الأبنية، فنحن أمام معضلة كبرى.
وإذا فوجئ المستثمر الذي وافقنا له على مشروع، ووقّعنا معه اتفاقاً بأننا غيّرنا الشروط التعاقدية المالية معه وهو لم يُكمِل مشروعه، أو لم يَكَد يجف الحبر الذي وقعه المسؤول الأردني مع هذه الشركة، فالمناخ الاستثماري صعب ومعقد، ومصدر شكوى.
وإذا ما يقوله بعض المستثمرين أن وزير الدولة لشؤون الاستثمار لا يقابل المستثمرين الذين يريدون عرض مشكلاتهم إلا بعد شهرين أو ثلاثة من طلبهم اللقاء، فنحن إذن نواجه أزمة إدارة استثمارية.
وإذا بقيت النافذة الموحدة في هيئة الاستثمار مجرد خطوة روتينية إضافية، فإن وجودها يؤدي إلى تعقيد المعاملات الاستثمارية بدلاً من إنجازها –كما ينص قانون الاستثمار- فنحن في الأردن واهمون أننا نشجع الاستثمار.
قابلت بعض المستثمرين الأردنيين العائدين من دول الخليج والذين أرادوا أن يقيموا مشروعات جديدة في الأردن، فهربوا بسبب الوسطاء ممن يدّعون أن بيدهم مفاتيح المغاليق. ولكن هؤلاء يقبضون ولا يُقَدّمون أي خدمة، بل على العكس، فهم يورطون المستثمرين في صفقات أراضٍ كاذبة، ويحصلون لهم على تصاريح مزورة ويوقعونهم في إشكالات قانونية.
ولما ذهب هؤلاء إلى دول عربية شقيقة مثل الكويت، أو مصر، وجدوا ترحيباً. وحتى مصر التي اشتهرت سابقاً بروتينها الطويل وبالفساد في إنجاز المعاملات، صارت اليوم محجاً للمستثمرين في الأردن سواء في سوق القاهرة المالي (البورصة) أو في إقامة استثمارات في مختلف أرجاء مصر بدون تعقيد، وبترحابٍ شديد.
وإذا صح أن شركة مصفاة البترول خسرت عطاء لتزويد مستثمرين عرب بالوقود الثقيل والقار لأن وزارة المالية أصرت على استيفاء
20 % رسوم تصدير، فقد نخسر الكثير لأن تزويد الطائرات وإصلاحها سينتقل بالكامل إلى دول أخرى.
من أجل حفنة دنانير، نضيع الفرص الاستثمارية. هذا التفكير الدكاكيني في إدارة الاستثمار وتشجيعه في الأردن – هذا إن صدق ما سمعناه- يستحق منا وقفة تأمل طويلة، لأن واجب الحكومة أن تقوم بإدارة الاقتصاد لخلق فرص عمل للشباب والعاطلين عن العمل، وليس من أجل غنم للخزينة يتحقق في المدى القصير، علماً أن الاعفاءات الاستثمارية المدروسة تحقق للحكومة في المدى المتوسط والطويل عوائد أكبر وإيرادات أكثر.
الاستثمار في الأردن له آباء كثر، ولكنه في الحقيقة يتيم. وها نحن نرى حركات الإفلاس تزداد، ومناخ الاستثمار يتآكل، والقيود الحكومية لا تخلق سوى فرص للفساد الذي يأكل من قصعة الحكومة بدون إذنها.
جلالة الملك تحدث في الموضوع في مناسبات عديدة، وآن الأوان أن نضع حداً للترهات والأعذار السخيفة، ونوفر مناخاً استثمارياً يرفع عن الحكومة الضغط لتعيين مزيد من العاطلين الذين لا تحتاجهم.
الغد