الحل ليس بالسكين ولا بالعصا ولا بالجنزير
........بداية لا بد لنا من القول أنه من بدايات مرحلة أوسلو ، حدث تآكل كبير في منظومة
القيم والمعايير ونسيج الوحدة السياسية والمجتمعية الفلسطينية ، وإذا كان الإحتلال هو
الجذر والأساس ، لكل ذلك ، إلا أنه من الخطأ وعدم الصوابية أن نعلق كل أخطاءنا
وممارساتنا السلبية والضارة على مشجب الإحتلال ، فهناك الكثير من هذه الممارسات
والمسلكيات ، هي نتاج للتخلف والجهل والعصبوية والجهوية والقبلية والعشائرية والشلليات
وظاهرة " الفزعات " ، والتي وجدت لها حاضنة في السلطة القائمة ، حيث أن ممارساتها
وسياساتها ، هي التي قادت إلى مثل هذا الوضع ، وغدى الفلتان بكل أشكاله وأنواعه سيد
الموقف في المجتمع الفلسطيني عامة والمقدسي خاصة ، والمجتمع المقدسي بالأساس مستهدف من
قبل الإحتلال ، والمعني بسيادة وتمظهر كل أشكال وأنواع الآفات والأمراض الإجتماعية في
أوساطه ، وقتل روح الإنتماء الوطني عند أبناءه ، وإنهاكه على كل الصعد من خلال استهدافه
بالإنتهاكات الصارخة لحقوقه الإقتصادية والإجتماعية ، وعزله بالكامل عن محيطه الفلسطيني
، سياسياً ، اقتصادياً ، اجتماعياً ، جغرافياً وديمغرافياً .. إلخ ، وفي ظل سيادة ثقافة
الميلشيات و" المافيات " والتجييش والتحشييد على أسس غير وطنية ، وغياب المؤسسات
الحاضنة والراعية للشباب ، من أجل توعيتهم وتثقيفهم ، واحتضان طاقاتهم وإبداعاتهم ،
ووضع الخطط والبرامج لهم في كل المجالات والميادين ، وكذلك ضعف الحركة الوطنية
وتراجعها ، وغياب المساءلة والمحاسبة ، كل ذلك لعب دوراً سلبيا في الواقع المقدسي ،
وتحديداً عند الفئة الشابة ، والمعول عليها أن تكون معول البناء و التطوير والتغير ،
إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة خطيرة ، هي تنامي الشلليات الشبابية العابثه
والمستهترة ، والتي تأتلف وتتوافق على أسس جهوية وعشائرية ، ولا يكاد يمر يوم واحد ،
إلا ونسمع عن إشكالات " وطوش " جماعية ، تبدأ في الإطار الفردي أو الشخصي ، وتتحول إلى
حروب داحس والغبراء ، وكأننا ليس أبناء شعب واحد ، ويخيل لك في هذه " الطوش " ، أنه لا
روابط وطنية ولا قومية ولا ودينية بينا ، ولا احترام لأية معايير أو مبادىء أو قيم ،
والمصيبة هنا تشوه الوعي والتربية بدءاً من البيت ومروراً بالمدرسة أو الجامعة وغيرها ،
ناهيك أن العديد بل أغلب الرموز والقيادات الوطنية ، تغلب حزبيتها وجهويتها على
الإنتماء الوطني ، وهذا بحد ذاته يعكس نفسه سلباً على القواعد الإجتماعية أفراداً
وجماعات ، وبالتالي فإن الحبل مفلوت على غاربه ، والكل يغني على ليلاه ، حيث يقوم الشخص
، أو الجماعة بأعمالهم المسيئة والخارجة عن كل الأعراف والتقاليد ، وهم يعرفون أنه لا
يوجد هناك أي حسيب أو رقيب ، بل وربما يجدون حواضن لهم فيما يقومون به من أعمال وتصرفات
ومسلكيات ، وزعرنات وبلطجات ، وفي النهاية تجد أن هناك أحيانا من يركب الموجة ، ويلقي
عصبة عصماء عن الكرم العربي الأصيل والتسامح والوطن والشهداء والجرحى والأنبياء
والصديقين ، وتذهب القضية " بوس لحى " وفنجان قهوة صاحب الحلول السحرية ، لكل أشكال
وأنواع المشاكل والجرائم مهما كبرت أو عظمت ، وكأن وضع أسس وضوابط ومعايير للمساءلة
والمحاسبة وللردع والتجريم ، مسألة سلبية وغريبة عن عادتنا وتقاليدنا ، وكأن ما يسمى
بالكرم العربي الأصيل لا يتحقق ، إلا بالتنازل عن الحقوق ، وترك الذين قاموا بأعمالهم
المسيئة ، يسرحون ويمرحون ، بل ويخططون للقيام بأعمال وممارسات مسيئة بشكل أكبر وأوسع ،
والمصيبة الكبرى هنا أن الحركة الوطنية ، لم تولي هذا الجانب الإهتمام الكافي ، وأصبح
الصالح والطالح يدلي بدلوه في هذا المجال ، بما فيها اللجان المعينة من قبل الإحتلال ،
والتي لها غايات وأهداف ليست بريئة ، وفي العديد من الأحيان تقلب الحق باطل والباطل حق
، ولماذا يكون هناك وقفة جادة على هذا الصعيد الهام والحيوي ، ويجري إتفاق وطني مدعوم
ومسند مجتمعياً ، حول الأشخاص الذين لديهم قدرات وطاقات وكفاءات في هذا الجانب والمشهود
لهم بالوطنية والإنتماء وطهارة اليد ، بدلاً من ترك المجتمع فريسة للأيدي العابثة
والمشبوه . ومن هنا نقول أن ما حدث في القدس مؤخرا يجب ، أن يشكل إضاءة للجميع ، حيث أن
ترك الأمور بدون عناوين ومرجعيات ، وكذلك غياب التثقيف والتوعية الوطنية ، والمؤسسات
الحاضنه والرعاية للشباب ، يجعلها عرضة وفريسة للإنحراف ، وخصوصا في ظل واقع فيه الكثير
من المغريات لمثل هذه الممارسات ، فمن الضروري القيام بحملة واسعة يشارك فيها كل الناس
المتنورين من أبناء شعبنا الفلسطيني ، تدعو إلى التعددية والتسامح وإعادة اللحمة ؟إلى
النسيج المجتمعي الفلسطيني ، الذي أصابه تهتك واسع ، طال الكثير من قيمه الإيجابية ،
وهذا غير ممكن بدون حوامل وآليات عملية ، ونحن نرى أن فقدان أي فرد في هذه الصراعات غير
المبررة ، خسارة جسيمة لا تعوض ، ولكن من غير الجائز أو المقبول أن نمر مرور الكرام على
مثل هذه الأحداث ، فعدا عن الشجب والأدانة والإستنكار ، يجب أن نحول ذلك إلى ممارسه
قانونية وقضائية صارمة ورادعة ، دون أن يأخذ أحد القانون بيده ، أو يستهتر بكل الأعراف
والتقاليد والقيم ، ولا يجد من يقول له لماذا قمت بهذه الممارسة أو هذا المسلك ، أو
لماذا خرقت ولم تحترم ما تم الإتفاق عليه ؟ ، ويجب أن نرتقي في التعامل والتخاطب
والتفاهم مع بعضنا البعض ، بطرق ووسائل حضارية ، لأن السكين والعصا والجنزير والرصاص ،
ليس لغة للتخاطب والتفاهم بين أبناء الشعب الواحد ، فكلنا مازالنا تحت سلطة البسطار
الإسرائيلي ، وكم دفعنا وما زلنا ندفع ثمن الفلتان بكل أشكاله وتجلياته ، دم ومال
وممتلكات وجهد ووقت ، وتدمير يطال حتى النسيج المجتمعي بأكمله ، ويحولنا إلى قبائل
وعشائر ، ومجموعات ومليشيات ، لا يجمعها هدف ولا مصير ، فهذه " الصوملة " مدمره ، وتهدد
وحدة الشعب وأهدافه وتطلعاته ومشروعه الوطني ، الذي عمد بالدم والنضال ، ولذا علينا
جميعا أن نرتقى إلى مستوى المسؤولية والتحدي ، وعلينا أن نعلق الجرس ، وأن نسمي الأشياء
بأسمائها ، ولا حصانة لأحد ، أو توفير الدعم والإسناد والحاضنة العشائرية والحزبية ،
لمن يرتكب أو يمارس ممارسات من شأنها ، إثارة النعرات العشائرية والحزبية والطائفية ،
أو القيام بأعمال الزعرنة والبلطجة والتعدي على أعراض الناس وأموالهم وممتلكاتهم ،
والتسبب في إزهاق الأرواح البريئة ، ولتبادر القوى الوطنية لإستعادة دورها وهيبتها ،
وتضع الأسس والضوابط واللوائح والقوانين التي تنظم وتسير الهم الأقتصادي والإجتماعي
لأهل القدس ، من خلال العلاقة المباشرة مع رموزها وقياداتها وكادراتها ومؤسساتها
وشخوصها الإعتبارية ، وتعمل على اجتاث السرطان من جذوره قبل استفحاله وفوات الآوان .
البريد الالكتروني
quds.45@gmail.com