معدل الجرائم الإلكترونية .. قراءة وتعقيب
أ.د. خليل الرفوع
21-10-2018 11:14 AM
تبدو مشكلة قانون الجرائم الإلكترونية متأرجحة بين حقين من حقوق الإنسان أو لنقل بين حقين هما : حق المواطن في التعبير عن رأيه وحق الدولة في ضبط النظام ومنع الاعتداء على حقوق الآخرين ، وهذا القانون يحتاج إلى إعادة التوازن بين الحقين بلا تشدد من واضعي القانون وكذلك بلا تفريط . ولعل الهدف من القانون أصلا هو الحفاظ على هيبة الدولة وعدم اغتيال الشخصية حسب رأي بعض المسؤولين وعدم الترويج لأفكار الجماعات الخارجة عن القانون وانتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم ، والمقصود بحرية التعبير هو : أن يقول الإنسان رأيه قولا أو كتابة أو رسما أو تمثيلا أو بأي وسيلة مكشوفة ، فالحرية هنا ضرورية للإبداع وهي من مقومات الحياة الديمقراطية ، فكلما زادت سياسة تكميم الأفواه والقمع السياسي كلما زاد لاحتقان في المجتمع والتمرد واللجوء إلى وسائل غير مشروعة في التعبير والنقد ، مما يؤدي إلى احتقانات في السرِّ قد تتطور إلى انفجارات في العلن شريطة أن لا يختبئ أصحابها خلف أسماء استعارية وهمية أو اللجوء إلى خارج الوطن للتعبير وتضخيم الأخطاء لتصبح خطايا ، وذلك من خلال مواقع بث الفيديو والتحرير الجماعي والنشر الإلكتروني والتواصل الاجتماعي وغيرها من سبل التواصل في ذلك العالم الافتراضي.
لقد نصت المادة 15/1 من الدستور الأردني على أن : " تكفل الدولة حرية الرأي ، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز القانون " فالحكومة ملزمة بكفالة حرية التعبير، لكن في ظل القانون الذي يكفل حقوق الناس جميعا فالحرية مقيدة ، ولهذا فالمطلوب من القانون المعدل هو أن يكون واضحا دالة أحكامه غير تعسفية مع توافر الضمانات القضائية ، والتقييد جاء لاحترام سمعة الآخرين وحقوقهم ولحماية الأمن الوطني والنظام العام وما فيه من آداب وأخلاق وتقاليد متعارف عليها ومنع الجريمة أو إفشاء المعلومات السرية ونزاهة السلطة القضائية والترويج لأفكار إرهابية أو تحقير الدولة أو إهانة أي معتقد أو إذاعة أخبار كاذبة وغير ذلك ، وهذا كله يحتاج إلى مسؤولية ضابطة لاحقة ومتابعة من كل المعنيين في أجهزة الدولة وليس مراقبة سابقة وقد نصت المادة 7/ 2 على أنَّ " كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون" وهي لا تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على أنه " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" وفي ضوء ذلك يمكن القول : إن مشروع القانون الموجود حليا في أدراج مجلس النواب يحتاج إلى دراسة وتمحيص في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بحيث لا يكون سيفا مرفوعا على رقاب الناس وأن تكون الحكومة واضحة في أعمالها وسلوكياتها للمواطنين سرا وعلانية بحيث لا تترك مجالا للشكوك يدور على ألسنة الناس ، فمنصات التواصل الاجتماعي أضحت كمجالس الغيبة والنميمة لكنها مكشوفة معلنة فيها الصدق وفيها الكذب ، وأن لا يوقع المسؤول نفسه في مواقع الريبة والشبهات المالية والتوسطية وغيرها ، ونظن أن الأردنيين يدركون ما يحيط بهم ولا يخفى عليهم ما يقوم به المسؤولون ، وتعليقاتهم في أغلبها نقد ساخر لا يصل إلى الاغتيال أو الإجرام القولي ، ثم إن القانون هو الفيصل .
والحديث عن الصحف الإلكترونية مرتبط بهذا القانون فإن كان ثمة تعليق أو رأي خارج عن القانون فليحاسب كاتبه وليس الصحيفة أو مسؤول التحرير فيها ، لأننا لو حاسبنا الصحف بذنب غيرها فلن يبقى موقع إلكتروني في الأردن وبذلك يخسر الوطن هامشا ديمقراطيا رئيسيا لا يمكن الاستغناء عنه في أي دولة معاصرة ، فالقانون يحتاج إلى إعادة قراءة قبل إقراره من خلال مجلس الوزراء والإعلاميين وبخاصة أصحاب الصحف المكتوبة والإلكترونية والقانونيين والشباب والهيئة القضائية والأجهزة الأمنية فكلٌ عنده تجربته ؛ فالتروي قبل إقراره خير للحكومة والمواطنين الذين هم بحاجة إلى إعلام وطني حقيقي ينطلق منهم ولا يفرض عليهم فرضا ، والتوعية بنصوص القوانين ومآلاتها ضرورة لا بد أن تنهض بها أجهزة الدولة .