الاردنيون غير محقين برفض مشروع قانون ضريبة الدخل
د. عادل يعقوب الشمايله
21-10-2018 10:02 AM
لا بد للمراقب المحلل بعقلانية وبعيدا عن العواطف، الا ان يستغرب، رفض ما لا يقل عن ٩٩٪ من الاردنيين، للتعديلات المقترحة من قبل الحكومة، على قانون ضريبة الدخل المطبق حاليا، على الرغم من الجهود الحكومية لتغيير أرائهم.
لقد بين رئيس الوزراء مرارا وتكرارا، أن التعديلات المقترحة ضرورية وحيوية وملحة، وأنها لمصلحة الاردن أولا واخيرا. كما إنبرى كل من نائب الرئيس ووزير المالية لتقديم الايضاحات والمبررات التي تعزز كلام الرئيس بكل ما أوتيا من فصاحة، وباسلوب سهل ممتنع. فلماذا صعب على الاردنيين القبول والتسليم بالرغم من كل ذلك؟
إن ملخص ما قاله الرئيس والوزيرين، أن تعديل القانون سيقوي مركز الاردن المالي، وبالتالي مركزه التفاوضي مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المقرضة الاخرى من بنوك عالمية ومحلية. فقد واجه الاردن خلال السنتين الماضيتين صعوبات بالغة في الحصول على المزيد من القروض بسبب تدني مركز الاردن الائتماني، مما اضططر الحكومة للاستنجاد بالولايات المتحدة الامريكية لتقديم التطمينات والضمانات للبنك الدولي حتي يوافق على اقراض الاردن. ولهذا فان الدين العام لا زال دون الاربعين مليار دولار للاسف البالغ، ولم يتجاوز ٣٠٠٪ من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي وهذا لا يتناسب مع طموحات الاردن الطموحة.
ما تأمله الحكومة الرشيدة، اذا تمت موافقة السلطة التشريعية على مشروع القانون، أن تستطيع التوجه للبنوك الدولية والمحلية رافعة الرأس وبكل ثقة لطلب المزيد من القروض بدون الحاجة لكفالة امريكا، أو الودائع قصيرة الامد والمشروطة من الدول الشقيقة.
ماذا يريد الاردنيون اكثر من ذلك وافضل من ذلك. الا يضع هذا الهدف الطموح، الاردنيين الرافضين لمشروع قانون الضريبة، امام موقف محرج؟ فالحكومة الساهرة على مصلحتهم تسعى بكل ما تستطيع من حنكة ودهاء وبراعة ان تحصل على اكبر مبلغ ممكن من القروض سنويا، لتثبت للاردنيين انهم كانوا بعيدي النظر وحكماء عندما تفائلوا برئيس الوزراء الحالي، ذلك التفاؤل الذي لم يسبق لرئيس وزراء أردني أن حظى به. انني ارجو الارنيين أن يعطوا مزيدا من الوقت للرئيس المتفائل به، حتى يتمكن من النجاح في برنامجه الرباعي الابعاد:
1-الزيادة المضطردة في رفع اسعار المشتقات النفطية والكهرباء والمياه ورخص السيارات
2- زيادة الدين العام بدون سقف لان السقوف المنخفضة مؤذية للرؤوس المرتفعة. فالرئيس حريص على ان يثبت، أنه قادر على إفادة الشعب من خبرته في البنك الدولي وذلك بالحصول على مزيد من القروض وزيادة مبلغ الدين العام بشكل يفوق من سبقه من رؤساء الوزارات بمن فيهم عبدالله النسور.
3- تخفيض النفقات العامة وخاصة على التعليم بكافة مراحله والصحة والبيئة والزراعة وانشاء الطرق والجسور وصيانتها. وعدم زيادة رواتب الموظفين العاملين والمتقاعدين التي اضمحلت قوتها الشرائية بسبب التضخم والضرائب. فلدى الحكومة اولويات انفاق اخرى اكثر اهمية ولا شأن للاردنيين بمعرفتها لانها من اسرار الدولة العميقة. فالشفافية والمسائلة هي من صفات الحكومات الغربية الديموقراطية الضعيفة التي تحترم شعوبها وتخضع لها.
4- تعميق السياسة الانكماشية. حتى تغلق بقية المصانع والمتاجر وتهمل المزارع وتهاجر باقي شركات الاسكان وتنخفض اسعار الاراضي الى الحضيض حتى لا تكون مكلفة للملاكين المنتظرين.
على الاردنيين ان يدركوا أنهم يعيشون لحظات تاريخية لها ابطالها. فمن المؤكد أن الدين العام سيقارب الستين مليار دولار اذا اتيح للرئيس وحكومته نفس السنوات الخمس التي اتيحت لعبدالله النسور. وبهذا يتم اثبات ان الدولة الاردنية قد اصبحت اكبر دولة في الشرق الاوسط. لان دينها العام سيكون الاكبر في منطقة الشرق الاوسط.
أن تساؤلات الاردنيين الفارغة عن اوجه إنفاق الايرادات العامة يجب أن تتوقف، وان يكتفوا بالدفع دون أن ينتظروا مقابلا لما يدفعون. هذه هي المواطنة الصالحة.
ماذا يضير المواطنين ودافعي الضرائب من اخفاء الحجم الحقيقي للايرادات المحصلة واخفاء اين تذهب تلك الايرادات طالما أن الحكومة بقيادة الرئيس ستبقي على المستشفيات الحكومية مفتوحة لطالبي العلاج حتى ولو كانت شبه خالية من الادوية، وانها تضمن ان يجد المرضى مكانا في المستشفيات حتى ولو اضطرت للسماح لهم بافتراش الارض . هذا الوضع سيتيح المجال لاثبات العبقرية الطبية الاردنية بتشخيص الامراض بدون مختبرات وبدون اجهزة اشعة وبباقي غرف عمليات اكلها الدهر الهرم.
ماذا يضير الاردنيين ان لم يعرفوا أين تذهب الضرائب التي يدفعونها طالما أن ابواب المدارس الحكومية ستظل مفتوحة، وان أبنائهم الطلبة يمكنهم الترقي والوصول الى نهاية المرحلة الثانوية ودخول الجامعات بدون ان يضطروا لاجادة القراءة والكتابة. المهم ان الحكومة تلبي رغبة الاردني بالحصول على الشهادة الجامعية. هذا ترف لا تجد مثيلا له حتى في الدول المتقدمه.
ماذا يضير الاردنيين، ولماذا يشغلون بالهم بحالة الشوارع والطرق المتهالكة؟ لماذا تبذير الاموال العامة ،الا يكفي إصلاحها وتعبيدها كل ربع قرن ؟ الا ينبغي على المواطنين شكر الحكومة على بعد بصيرتها؟ الا تعطي الطرق والشوارع المهترئة والمحفرة هيبة، وطابع القدامة والاثرية لمدينة عمان مما يجلب مزيدا من السياح عشاق الماضي والتاريخ التليد؟ ما الرابط بين غياب وسائل النقل العام الفعالة وبين دفع الضرائب؟ لماذا يتوقع دافعوا الضرائب والمواطنون بشكل عام ان ينفق جزء من الايرادات العامة على التحريج وزيادة البقعة الخضراء؟ الا يعتبر ذلك وفاءا من الحكومة وحرصا منها على ابقاء الطابع الصحراوي الذي يحسدنا عليه الامريكان والاوروبيين.
الا تجعلنا هذه الانجازات الحكومية الرائعة افضل من دول كثيرة في مقدمتها ليبيا والصومال وارتيريا وجنوب السودان وتايلند؟