الدولة القوية حق مشروع لكل نظام سياسي ولكل شعب حر ، ولكن السؤال الهام : ما معنى الدولة القوية ؟ وكيف تصبح قوية ؟ . ابتداء يجب ان نستبعد الدولة الدكتاتورية وإخراجها من مفهوم الدولة القوية لأن الدكتاتورية دليل ضعف لا دليل قوة حيث تتركز السلطة بيد شخص واحد ( فرعون . هتلر . ستالين . ...الخ ) لانه لا يثق بالآخرين ويرى الناس أعداء له أو متربصين بينما يزرع حوله من الأقزام المعتادين على طأطأة الرأس و تنفيذ ما يريده الدكتاتور .
كما استبعد الدولة الحزبية من مفهوم الدولة القوية لأنها دولة فئة تستهدف المنافسين وتكيد بهم وتشردهم وتعتقلهم وقد تعدمهم أو تسحب الاعتراف القانوني بهم .
ولا يدخل في الدولة القوية دولة العائلة حتى لو استقرت الى فترة من الزمن إذ ليس ثمة ضمانات لغياب الصراع العائلي ، كما إن الدولة العائلية لا تعبر عن مؤسسات الحكم التي نادى بها القانون الدستوري .
الدولة القوية هي دولة المؤسسات التي يتم فيها تداول السلطة بطريقة صحيحة لا تلاعب فيها ولا مكر ولا كيد ولا تزوير بل تنافس على قاعدة البرامج التي يختارها الناس .
والدولة القوية لا تلغي وجود المنافسين بل تراهم سلطة مراقبة من أجل استمرار الاستقامة السياسية والنظافة الإدارية والاقتصادية . وعليه فالدولة القوية تقدس الحريات القانونية وتحترمها ولا تسمح لأي كان بالتجاوز عليها تحت أي مسمى ومهما كانت الأعذار القبيحة المرفوضة . ولهذا فإن الدولة القوية تجد فيها الموافق للسلطة والمعارض لها وبهذا تكون الحرية مصانة من قبل الدولة ليس للمؤيدين بل للمعارضين لأنهم قد يكونون السلطة القادمة . ولهذا لا تمارس الدولة القوية الاغتيالات ولا التصفيات ولا تزدهر في عهدها السجون الا للمجرمين وليس ثمة سجين سياسي في قاموس الدولة القوية .
الدولة القوية تنظر للمستقبل ولهذا تزرع في الأجيال المدرسية والجامعية حب البلاد وضرورة التفكير لها ولخدمتها بعيدا" عن حسابات الطمع الفردي لان الدولة القوية تمارس العدل ولا تتحدث عنه . الدولة القوية لها اعلام محترم لا يستخف بعقول الناس فيقدم لهم الحقيقة ولا يمارس التضليل لانه يريد شعبا " واعيا" مراقبا" يقيّم أداء سلطته فيحاسبها أثناء عملها ويقرر مصيرها عند أول انتخابات .
الدولة القوية مرئية أمامنا في الشعوب المتقدمة بينما هي غائبة في الشعوب المقهورة والمتخلفة . من حقنا على دولنا العربية والإسلامية أن نتجه نحو الدولة القوية إذ لا يعقل أن تكون دولة ضُربت بالنووي " اليابان " قد وصلت الى الدولة القوية بينما دولنا لم تضرب نووي ومع هذا لا تزال تعشق التخلف . ولا يعقل أن دولة هُزمت في الحرب " ألمانيا " وتم تقسيمها ان تعود الى مصاف الدول القوية بينما نحن نعيش الدمار والخراب الذي تسبب به الحكم الفردي الدكتاتوري . لقد سجلت دول أسماءها في نادي الدول القوية رغم انها لا دين لها مثل الصين أو لها دين يقضي بعبادة البقر مثل الهند بينما لم نستفد من ثقافتنا لبناء الدولة القوية رغم تضمنها لمبادئ الحرية والعدالة والمساواة والإنتاج والاستقامة السلوكية والإدارية والنظرة الإيجابية للعالم وللعلاقات الدولية مع كافة شعوب الأرض .