تَحدّث الملكُ وكأن الهاشميّة نُصب عينيه
د.هشام المكانين العجارمة
20-10-2018 07:12 PM
* قراءة في مضمون خطاب العرش
" إن رؤية الأردن الطموحة ترتكز على محاور ثابتة، فالأردن دولة قانون، ودولة إنتاج، وهو دولة محورها الإنسان، والأردن دولة ذات رسالة سامية، وضمن هذه الثوابت يتجلى ما يميزه ويجعله دولة ومجتمع في حركة مستمرة نحو الأفضل"
كلمات سامية استهل بها جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم افتتاحه للدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة الثامن عشر، وهي ثوابت راسخة لطالما عبّر عنها جلالته في كثير من أوراقه النقاشية وخطاباته المختلفة.
وإزاء قول جلالته بأن الأردن دولة إنتاج فإن أسرة الجامعة الهاشمية ترى أن الملك تحدث وكأن الهاشمية كأنموذج نصب عينيه، لا سيما أن الهاشمية اليوم جسدت خطاب الملك على أرض الواقع وكأنها استشرفت منذ سنوات خلت رؤى جلالته ومضامينه.
إذ عملت الهاشمية منذ سنوات على تخطي أدوارها التقليدية - المتمثلة بالتدريس الأكاديمي والبحث العلمي وخدمة المجتمع - لدراسة التحديات التي تواجه الأردن فكان من نتائج دراستها ادراكها أن الأردن يواجه تحديات كبيرة في مجال الاستقرار المالي والنقدي وفاتورة الطاقة المتزايدة والفقر المائي والأمن الغذائي والأمن الوطني وإدارة الموارد البشرية في الوقت الذي كان للأردن بجهود شبابه دور كبير في بناء كثير من الدول الشقيقة، وإزاء هذه التحديات فقد عملت الهاشمية على وضع الخطط اللازمة لمواجهة التأثيرات الهائلة لتلك التحديات الكبيرة، حيث يُسجل للهاشمية استقرارها المالي في الوقت الذي تعاني فيه جلّ الجامعات الأردنية من عجز مالي ومديونية متزايدة، فالهاشمية اليوم وبلسان رئيسها الفذ تفتخر بمكعبها الصفري والذي يمثل مديونية مقدارها صفر وعجز مالي مقداره صفر ودعم حكومي مقداره صفر كذلك، لا بل أن الهاشمية اليوم باتت تدعم الاقتصاد الوطني، إذ أن جزءاً كبيراً من حساب الجامعة يبلغ (٢٨) مليون دينار متوافر في حساب الخزينة العامة للدولة الأردنية، كما يسجل للهاشمية كذلك إقامتها لمشاريع كبرى بلغت تكلفتها الاجمالية ما يقارب (١٣٠) مليون دينار، إجمالي ما هو ممول منها من حساب الجامعة يبلغ (٩٠) مليون دينار، ولعل من أبرز تلك المشاريع مشروع خلايا الطاقة الشمسية التي باتت تغطي سماء ساحات وأبنية الجامعة حتى باتت تكلفة الطاقة المستهلكة في الجامعة اليوم دينار واحد ولعل هذا الدينار هو تكلفة قسيمة الكهرباء الشهرية، وزادت الهاشمية على ذلك بأنها تزود الدولة بالكهرباء بما يقارب مليوني ونصف المليون دينار، ومثل هذه المشاريع ساهمت في تخفيض فاتورة الطاقة للصفر والتمتع بالاستقرار المالي خاصة اذا ما تم الحديث عن دعم الجامعة لرواتب موظفيها وتمويلها لصناديق الادخار فيها بنسبة ١٠٠٪ .
وعلى صعيد تحدي الفقر المائي أوجدت الهاشمية محطة تحلية للمياة المالحة المتوافرة على امتداد الصحراء الشرقية وذلك بانتاجية بلغت (٦٥٠) متر مكعب يومياً تعمل على الطاقة الشمسية المجانية وأخرى تعمل على جمع المياة من رطوبة الهواء بقدرة إنتاجية تقدر بحوالي (١٠٠٠) لتر يومياً، وبذلك ساهمت الهاشمية بدورها في العمل بجد على معالجة تحدي الفقر المائي.
وعلى صعيد تحدي الأمن الغذائي أوجدت الهاشمية كلية هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية تعرف اليوم باسم كلية الأمير الحسن للاراضي الجافة وذلك باستثمارها فكر صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال الذي أخذ على عاتقه منذ عقود خلت الدعوة لمعالجة التحدي الغذائي والمائي، إذ تعمل الكلية على اعداد الاخصائيين القادرين على استغلال الاراضي الجافة واستثمارها لمصلحة الدولة، حيث يسجل للهاشمية في هذا الاطار زراعتها لألاف الاشجار التي لا تصلح إلا للبيئة الصحراوية.
أما تحدي الامن الوطني والذي يحاول الارهاب والفكر الظلامي زعزعة استقراره فأن الأردن ملتزم بتمكين الأمن الوطني ومحاربة الإرهاب، وهذا ما أكده جلالته في خطابه الأخير بقوله السّامي : " إن الأردن ملتزم بدوره الرائد في محاربة الارهاب والتطرف ولن يكون هذا الفكر الظلامي في أردن الحرية والديمقراطية" وإزاء ذلك فقد عملت الهاشمية منذ وقت مبكر على تنمية الفكر الشبابي وصناعة نموذج الشباب القائد وذلك بايجاد تخصصات علمية ومساقات دراسية فريدة من نوعها من شأنها تكريس الامن الوطني ومن تلك التخصصات تخصص فض النزاعات ومساقات دراسية تعنى بقبول الاخر والحوار المنفتح والمنتج على حد سواء، بالإضافة إلى اشغال الطلبة بالانشطة البناءة والاندماج بالعمل الجماعي المنتج، إذ يسجل للهاشمية تأسيسها سبعة وعشرين نادياً تعمل بنشاط في مجالات فكرية مختلفة.
أما في إطار إدارة الموارد فقد باتت الهاشمية مثالاً يحتذى في إدارتها للموارد البشرية والمالية على حد سواء، وذلك يتضح بعدد العاملين الاداريين مقارنة بأعضاء الهيئة التدريسية وحُسن إدارة الموارد المالية كذلك، ولعل هذا سر نجاح الهاشمية الذي لطالما عبر عنه رئيس الجامعة والذي ليس بأقل بأن يوصف بأنه أنموذجاً يجب أن يُعمم للمسؤولين على نطاق الدولة فبني هاني كأنموذج والذي لم يجد أذناً صاغية لفكره ولا يداً تربت على كتفه إلّا يد جلالة الملك المعظم الذي منح الهاشمية بجهود رئيسها ومنتسبيها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى أصبح من الضرورة بمكان دراسته بعمق لتعميم فِكْره ولن أبالغ لو قلت بأن هذا القائد وأمثاله هم من يريدهم الملك لأنهم أهل للهمة ومثال في الإنجاز والعطاء والإنتماء والولاء.
الهاشمية اليوم - وبفضل إدارتها نيّرة الفكر وجهود منتسبيها أهل الهمة - لم تعد بمشاريعها الريادية وأهدافها التنمويّة قصة نجاح وحسب، بل أصبحت إنموذجاً يجب تعميمه على مؤسسات الدولة، ولعل هذا ما صرّح به صاحب السمو الملكي الامير رعد بن زيد خلال زيارته الاخيرة للجامعة وتكريمه بشهادة الدكتوراه الفخرية في التربية الخاصة إذ قال سموه: " نتابع اليوم بكل اعتزاز ما وصلت إليه الجامعة الهاشمية من موقع متميز على سُلَّم الجامعات نحو الريادة والعالمية وأصبحت أنموذجا يحتذى به ويسعى الجميع لتقليده والوصول إلى هذا المستوى من التميز والنجاح"، وأضاف:" تعد الجامعة الهاشمية نموذجاً وطنيًا في الإنجاز قابلًا للتطبيق والتعميم، وقد عَمِلَتْ على جودة إدارة الموارد البشريّة والمالية للوصول إلى الاعتماد على الذات الذي انعكس على تحسين نوعية التعليم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها وطننا العزيز، وعَمِلَتْ ضمن خطة منهجية بتقديم حلول للتحديات الوطنية وذلك من خلال الإدارة الحكيمة".
وفي ضوء ما أسلفت يتضح أن الهاشمية أخذت الأفكار الخلاقة التي لطالما كانت حاضرة في مضامين أوراق الملك النقاشية وخطاباته المتكررة لتكون على أرض الواقع ولتكون الهاشمية جامعة إنتاج لا جامعة استهلاك، وإزاء ذلك اقتبس مما قال جلالته في خطابه الأخير، إذ قال:
" إن دولة الانتاج التي نريدها تسعى لامتلاك العناصر التي تكرس استقلالها الاقتصادي، فالاردن يمضي بإرادة وتصميم إلى ثقافة صناعة الفرص والاعتماد على الذات، وبهذه الروح نتمكن من إنجاز مشاريعنا الكبرى من طاقة وبنية تحتية وجذب للاستثمار ودعم للزراعة، وأهم ما ننجزه في هذا الميدان هو تحفيز روح التميز والاخلاص في العمل وإتقانه وعليه، فإن على مؤسسات الدولة المختصة والعاملين فيها أن يأخذوا بروح المبادرة والانفتاح وأخذ الأفكار الخلاقة وتطبيقها بهدف تسهيل الاستثمار".
ختاماً
في إطار تذكير جلالته بأن "بأن الأوطان لا تُبنى بالتشكيك وجلد الذات ولا بالنيل من الإنجازات أو إنكارها بل بالمعرفة والإرادة والعلم الجاد" وقوله: " انصفوا الاردن" ، فإن الهاشمية بنيت على الفكر والمعرفة والإرادة الجادة ومن أبرز صور انصاف الاردن نصاف مؤسساته الرائدة والهاشمية إحداها تحتاج الإنصاف، والله أسأل أن أكون بدوري قد وفّقت وبمقالي هذا في إنصاف الهاشمية رغم شعوري بالتقصير.
نهاية تبقى الشواهد أنبل دوافع الكتابة وحقٌ لنا أن نُعظم الإيجابيات.
حفظ الله الأردن أرضاً وقيادةً وشعبا
الدكتور هشام المكانين العجارمة