محافظة يحاضر في جمعية عون الثقافية
19-10-2018 09:59 PM
عمون- عقدت جمعية عون الثقافية يوم أمس الأربعاء 17 -تشرين أول-2018 بالتعاون مع دائرة المكتبة الوطنية ندوة حوارية بعنوان :" الأزمة العربية الراهنة ... إلى أين ؟؟؟ " وتحدث فيها عطوفة الأستاذ الدكتور علي محافظة عضو الهيئة الإستشارية والتوجيهية لجمعية عون الثقافية.
بدأ أولاً بالسلام الملكي وبعد ذلك رحب السيد أسعد إبراهيم ناجي العزام رئيس الهيئة الإدارية/مدير اللقاء بعطوفة الدكتور علي محافظة والحضور الكرام .
وقدم نبذة مختصرة تعريفية عن الدكتور ﻋﻠﻲ ﻤﺤﺎﻓﻅﺔ،الذي ولد في بلدة كفر جايز /إربد.ولديه إجازة ﻓﻲ ﺍﻵﺩﺍﺏ – ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺩﻤﺸﻕ 1959، ﻭﺩﺒﻠﻭﻡ ﻋﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ عام 1960.
وحاصل على ﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ -ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻟﺴﻭﺭﺒﻭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ، ﺒﺎﺭﻴﺱ 1971.وﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ﺩﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻠﻭﻡ ﺍﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ – ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻟﺴﻭﺭﺒﻭﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ، ﺒﺎﺭﻴﺱ 1980. والجدير بالذكر ان الدكتور على محافظة قضى سنوات كثيرة في العمل الدبلوماسي في كل من: المانيا...تونس...الجزائر...وفرنسا... ومصر قبل أن يلتحق بالجامعة الأردني. وقد شغل الدكتور علي محافظة عدة مناصب منها رئيس لجامعة اليرموك وجامعة مؤتة وشارك فيما يزيد عن 55 مؤتمر عالمي
مؤلفاته:
- ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻷﺭﺩﻨﻴﺔ - البريطانية
- ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ ، ﻋﻬﺩ ﺍﻹﻤﺎﺭﺓ
- ﺍﻻﺘﺠﺎﻫﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴـﺔ ﻋﻨـﺩ ﺍﻟﻌـﺭﺏ ﻓـﻲ ﻋـﺼﺭ ﺍﻟﻨﻬـﻀﺔ
- ﺍﻟﺤﺭﻜﺔ ﺍﻟﻔﻜﺭﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ ﻭﺸـﺭﻗﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ
- ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ
- ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺩﻥ
- ﺃﺒﺤﺎﺙ ﻭﺁﺭﺍﺀ ﻓﻲ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻷﺭﺩﻥ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ
- ﺃﺒﺤﺎﺙ ﻓﻲ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﻌﺭﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ
- ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴــﺔ ﺍﻟﻤﻘﻴــﺩﺓ ، ﺤﺎﻟــﺔ ﺍﻷﺭﺩﻥ
- ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ
- ﺃﻟﻤﺎﻨﻴﺎ ﻭﺍﻟﻭﺤﺩﺓ ﺍﻟﻌﺭﺒﻴﺔ
وكان آخر مؤلفاته " الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي/الجذور الفكرية والتحول إلى العنف والتطرف " الذي أشهره قبل عدة اسابيع...ومن أهم ما تناوله في هذا الكتاب بأن التطرف ليس ظاهرة خاصة بالمسلمين دون سواهم من أتباع الديانات الأخرى. وركز على التعريف بهذه الحركات والتوعية بأساليب إقتناصها للشباب المسلم وطرق الوقاية منها.هذه الدراسة التي أخذت منه الجهد والوقت الكثير.فالكتاب يقع في 550 صفحة. فالدكتور علي محافظة يجد نفسه في البحث العلمي اكثر من مما يجدها في المناصب الحكومية .
وتالياً أهم المواضيع التي تناولها المحاضر في هذه الندوة.
الأزمة العربية الراهنة .. إلى أين؟( )
د. علي محافظة
مضت سبع سنوات ونيف على موجة الانتفاضات الثورية التي اجتاحت الوطن العربي، والعرب مازالوا يعيشون أسوأ الأزمات التي شهدوها منذ الاستقلال إلى اليوم. صحيح أن الاحتجاجات التي انطلقت في تونس والقاهرة وامتدت إلى صنعاء وبنغازي قد أطاحت بأربعة من عتاة الاستبداد السياسي في البلاد العربية الذين تراوحت مدة بقائهم في السلطة بين ثلاثين واثنتين وأربعين سنة. وصحيح أيضاً أن الآمال التي رافقت هذه الاحتجاجات والانتفاضات كانت عريضة جداً، تضمنت زوال عهود الاستبداد والظلم والقهر، وزوال الفقر والبطالة والفساد، وبداية عصر الحرية والكرامة والمشاركة الشعبية الحقيقية في الحكم والحياة الأفضل والشفافية والعدل والمساواة بين الجنسين والديمقراطية والأمن الوطني والتحرر الثقافي. رحل الطغاة الأربعة، وبقي رفاقهم يتربعون على كراسي الحكم الفردي المطلق، احتالوا على شعوبهم بإصلاحات شكلية، واشترى بعضهم سكوت شعوبهم بالمال، واستعملوا الجيوش والأجهزة الأمنية لقمعهم والتنكيل بهم.
وظهرت على الساحات الداخلية ميليشيات متحاربة باسم الدين والمذهب تارة، وباسم القبيلة والمنطقة تارة أخرى. تتلقى هذه الميليشيات السلاح والمال من دول عربية شقيقة ومن دول الإقليم والدول الكبرى الأجنبية. وارتفعت رايات "القاعدة" و"داعش: الدولة الإسلامية في العراق والشام" في كل مكان في الوطن العربي. واستطاعت قوات التنظيم الأخير، بين بداية سنة 2013 وصيف سنة 2014، أن تهزم القوات العراقية والقوات السورية وقوات البشمركة الكردية والفصائل الإسلامية المنافسة لها معاً. وبلغ من قواتها أن احتلت محافظتي الرقة ودير الزور في سورية سنة 2014، وانهارت أمامها أربع فرق عسكرية عراقية كانت تدافع عن الموصل وشمال العراق. اجتاحت قوات داعش المثلث السني في العراق، وهددت أربيل عاصمة إقليم كردستان. ومع نهاية سنة 2014، احتلت قوات داعش نحو ثلث مساحة سورية والعراق. ونفّذ التنظيم نفسه تفجيرات انتحارية واختطاف العديد من رجال الأمن في لبنان، وتسلل إلى مصر وليبيا واليمن والأردن وشمال أفريقيا. وامتد نشاطه إلى أفريقيا السوداء وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولحق الدمار والقتل والإبادة الجماعية بأقطار عربية عديدة. ولم يعش العرب أياماً أشد سواداً من أيامنا هذه. وعمّ اليأس والقنوط الشعوب العربية المقهورة.
تعمقت الأزمة حتى دخلت كل بيت، وشملت الحكام والمحكومين. وتشعبت فهي أزمة سياسية داخلية وخارجية: فقد فشلت أنظمة الحكم العربية في بناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمشاركة الشعبية في الحكم، وفرضت الحكم الفردي المطلق على شعوبها. إنها عاصفة هوجاء أعادت العرب ومجتمعاتهم إلى العهود البدائية حيث تحكم شريعة الغاب. وحرمت أنظمة الحكم العربية شعوبها من الحريات العامة والفردية، ومن حقوق الإنسان التي أقرتها الشرائع الدولية. واستغلت هذه الشعوب نخب حاكمة همها التسلط والتشبث بالحكم، والكسب غير المشروع، والإثراء على حساب الفئات الفقيرة. وقمعت كل محاولة للمطالبة بالإصلاح باللجوء إلى العنف والاعتقال والسجن والتعذيب والقتل.
وهي أزمة خارجية تمثلت في عجز أنظمة الحكم العربية عن حماية الوطن، والاستعانة بالقوى الخارجية، وإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، والتبعية العلنية لهذه القوى، أو بعبارة أخرى دعوة القوى الكبرى الاجنبية إلى استعمار بلادها مقابل بقائها في الحكم. وتخاذلت أمام إسرائيل التي غزت لبنان مراراً واحتلت عاصمته سنة 1982 دون أن تحرك ساكناً. وبطشت بالأخوة الفلسطينيين دون توقف منذ سنة 1967 حتى اليوم. وانهار التضامن العربي، وغدت جامعة الدول العربية، منتدى خاصاً بالدول النفطية في الخليج العربي. وأصبحت المعاهدات والاتفاقيات البينية العربية حبراً على ورق. وقد أتاح هذا العجز العربي لدول الإقليم، تركيا وإيران بخاصة، التدخل في الشؤون العربية، وتقديم المعونات المالية والعسكرية للميليشيات المتحاربة على الأرض العربية، وتدمير ما بناه العرب في سبعين عاماً ونيف، وتمزيق شعوبهم، والقضاء على الوحدة الوطنية في كل شعب.
وهي أيضاً أزمة اقتصادية تمثلت في عجز أنظمة الحكم العربية عن تحقيق التنمية الاقتصادية- الاجتماعية الشاملة والمستدامة، واستمرار حالة التخلف المناقضة للتنمية الشاملة، وفي فشل محاولات تجديد البنى الاجتماعية والإدارية والسياسية للمجتمعات العربية. وظل معيار الانتماء الأسري والعشائري والإثني والطائفي، فضلاً عن الولاءات الشخصية "الشللية" المعيار المعتمد للحصول على المراكز السياسية والإدارية والمواقع الاجتماعية، وليس معيار الكفاءة والإنجاز. وبقيت المحسوبية والدوافع العاطفية تسودان مجتمعاتنا المتخلفة، بدلاً من سيادة القانون والعقلانية، كموجهات للسلوك الاجتماعي ونمط التفكير. وظلت الأقطار العربية مرتبطة بمراكز الرأسمالية العالمية في الغرب الصناعي، واقتصادها مرتهن للقوى الاقتصادية الدولية الفاعلة. وبلغت الصادرات البينية العربية (10,6) بالمئة سنة 2013. أما الواردات بين الأقطار العربية فلم تتجاوز (12,3) بالمئة سنة 2011. وظل الاقتصاد العربي أسير الإطار السياسي التاريخي الأوروبي- الأمريكي، لاعتماده على نمو اقتصاديات المركز الرأسمالي.
ومن المعروف أن الاقتصادات العربية غير متجانسة ولا متكاملة، يمكن التمييز داخلها بين قطاعين أحدهما متطور من الناحية التقنية والإدارية ومرتبط مباشرة بالسوق الخارجية لا يستوعب الاقتصاد المحلي من منتجاته إلا النزر اليسير، ويعد الممول الرئيس للاقتصادات العربية بالعملة الأجنبية، هو قطاع النفط والغاز والمعادن. والاقتصادات العربية تتميز جميعاً بدرجات متفاوتة في الاتكال على مصادر ريع مختلفة، وعلى رأسها تصدير المواد الأولية، وبوجه خاص النفط والغاز والفوسفات، وبعض المنتوجات الزراعية والمساعدات الخارجية وتحويلات المغتربين. وشكلت الإيرادات النفطية العربية (71,6) بالمئة في سنة 2013.
ويلاحظ بوجه عام تدني نسبة مساهمة القوى العاملة في المجتمع في النشاط الاقتصادي، وانتشار البطالة التي بلغت (17,4) بالمئة من إجمالي القوى العاملة عام 2013، مقارنة بالمتوسط الدولي البالغ (5,7) بالمئة، وضآلة نسبة مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، التي لم تتجاوز (31) في المئة سنة 1990، وهبطت إلى (29) بالمئة سنة 2010. كما يلاحظ انتشار الفقر المزمن في معظم الأقطار العربية بسبب التفاوت في توزيع الثروة الريعية بين الأقطار العربية، والنمو غير المتوازن لاقتصاداتها.
وزاد الطين بلة تفاقم المديونية الخارجية العربية، إذ ارتفعت قيمة الدين الخارجي من (143,8) مليار دولار سنة 2000 إلى (176,2) مليار دولار سنة 2011. أما الدين العام فقد ناهز (590,6) مليار دولار سنة 2013. وارتفعت نسبته إلى الناتج الإجمالي لتبلغ (52,5) بالمئة.
وهي أزمة ثقافية تدور حول هوية الفرد وهوية المجتمع وهوية الأمة. هل نحن مسلمون أولاً أو مسيحيون أو صابئة أم عرب؟ وهل نحن مسلمون سنة أولاً أم مسلمون شيعة أو مسلمون إسماعيليون؟ وهل نحن مسلمون سلفيون أولاً أم مسلمون وهابيون أولاً؟ وهل انتماؤنا الأول للوطن أم للدين أم للمذهب؟ وهل هويتنا الحقيقية هوية عربية أم هوية دينية؟ وهل العروبة عرق أم انتماء ثقافي؟ وهل نحن ننتمي أولاً إلى عشائرنا وقبائلنا أم إلى المناطق الجغرافية التي ولدنا فيها أو نعيش فيها؟ هذه الأسئلة طرحناها قبل مئة عام ونيف مع بداية نهضة العرب القومية، وعدنا نطرحها من جديد متجاهلين قرناً من الزمان نمت فيه المشاعر القومية وتجذرت في النفوس والعقول.
بهذه الأسئلة ندرك أن مجتمعاتنا العربية قد تمزقت نسجها، وتقطعت أوصالها، وبترت روابطها التاريخية بفعل الحروب الأهلية. ومع الفوضى والاضطرابات نهبت الآثار نهباً منظماً من قبل الجماعات المسلحة وعصابات التهريب، لإلغاء ماضي الأمة وتاريخها. وتمزغت سمعة العرب في الأوحال، وتلوثت صورة الإسلام على يد الإسلام السلفي الجهادي الحالي. وها نحن نشهد جيلاً جديداً يخضع للتجهيل والحرمان من التعليم. كما نشهد تدنياً شديداً في مستوى التعليم العام والعالي في جميع الأقطار العربية، مما حال ويحول دون إمكانية التقدم والإبداع في مختلف ميادين العلم والفن والمعرفة.
هذه هي الأزمة العربية الراهنة. هي أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية عميقة الجذور. الخروج منها يحتاج إلى تفكير عميق وتقديم حلول جريئة تتناسب جرأتها مع خطورة هذه الأزمة على مستقبل أمتنا وعلى أجيالنا الحالية والقادمة.
أول الحلول المقترحة تتجه نحو العلاقة بين الحكام والمحكومين في أقطارنا العربية. صحيح أن التفاوت واضح بين الأقطار العربية في تطورها السياسي والوعي السياسي لشعوبها. فقد خضع بعض الأقطار العربية للاستعمار لفترات متباينة. فبينما خضعت الجزائر للاستعمار الفرنسي (132) سنة خضعت تونس للحماية الفرنسية (75) سنة وخضع المغرب للحماية الفرنسية (44) سنة بينما خضعت ليبيا للاستعمار الإيطالي (32) سنة وللاحتلال البريطاني تسع سنوات. وخضعت المشيخات على سواحل شبه جزيرة العرب للحماية البريطانية بين سنتي 1839 و1971، وتراوحت مدة الحماية هذه بين (129) سنة وواحد وستين سنة. ولذا فإن الحلول المقترحة للعلاقة بين الحاكم والمحكومين تتفاوت من قطر إلى آخر.
ففي الأقطار العربية التي بلغ الوعي السياسي مستوى عالياً لا بد من التخلي عن الحكم الفردي المطلق وما يرافقه من حكم الحزب الواحد، وغياب تداول السلطة بين الأحزاب السياسية. وفي هذه الحال لا بد من إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد أو تعديل الدساتير الموجودة بحيث تنص صراحة على الفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى تعدد الأحزاب وتداول السلطة، وضمان حقوق الإنسان وفقاً للشرائع الدولية، وعدم حرمان أي تنظيم سياسي أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو مجموعة إثنية من المشاركة في الحياة السياسية. وتشمل هذه الأقطار: مصر وتونس واليمن والمغرب ولبنان وسورية والأردن والعراق. ويقتضي الأمر وقف الحرب القائمة في سورية والعراق وإلغاء قانون اجتثاث البعث في العراق وإعادة الضباط السابقين ممن لم تثبت عليهم ارتكاب جرائم إلى صفوف القوات المسلحة العراقية والمخابرات العامة والأمن العام.
أما الأقطار التي مازال الوعي السياسي محدوداً أو يحكمها العسكر أو تحكمها أسر في مجتمعات قبلية مثل دول الخليج العربية والصومال وموريتانيا والجزائر، فلا بد من اتخاذ خطوات تدريجية لقيام نظام حكم تشارك فيه القوى السياسية والاجتماعية المحلية، ولإنشاء مؤسسات سياسية تنفيذية وتشريعية وقضائية تمهيداً لقيام دولة القانون في كل منها.
لم يعد العالم في القرن الحادي والعشرين يقبل أنظمة حكم فردية مطلقة. ولم تعد الشعوب في العالم الثالث، ومنها الشعوب العربية، على اختلاف مستويات الوعي السياسي بينها تقبل هذا النوع من الحكم، ولا سيما في بلاد دخلها من بيع النفط والغاز يبلغ أرقاماً فلكية تتحكم فيها أسر حاكمة ونخب محدودة العدد من المتعاونين والمستغلين لثرواتها.
ولمواجهة حركات الإسلام السلفي الجهادية التي تنشر الرعب والعنف والإرهاب في جميع الأقطار العربية، لا بد أولاً من نهضة إصلاحية دينية يتولاها المتنورون من قادة الفكر الإسلامي لبيان الأخطاء التي وقع فيها المتطرفون الجهاديون في فهمهم لنصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. ولا شك أن أمراً كهذا يحتاج إلى سنوات قادمة يتم خلالها إعداد القيادات الدينية المستنيرة، وإنشاء مراكز الدراسات والبحوث الإسلامية على نطاق واسع، وإدخال نتائج هذه البحوث والدراسات في مناهج التعليم العام والتعليم العالي ولا سيما في المدارس الدينية وكليات الشريعة في الجامعات العربية. ولا بد لوسائل الإعلام والاتصال الحديثة أن تقوم بدورها في نشر وتعميم الفهم المستنير للنصوص الدينية الإسلامية ومراجعة الآراء الفقهية القديمة، من خلال الاستعانة بالعلوم الاجتماعية الحديثة: علم الاجتماع وعلم النفس، وعلم النفس الاجتماعي والانثروبولوجيا (علم الإنسان)، وعلم الألسن (اللسانيات) وفقه اللغة وغيرها. إن هذا الفهم المستنير للإسلام سيعيد إليه ألقه وصورته الزاهية التي تمتع بها عبر العصور. ويزيل الصورة المشوهة التي عرضتها الحركات المتطرفة الإسلامية خلال العقود الزمنية الثلاثة الأخيرة.
أما كيفية الحد من العنف والإرهاب الجهادي، فذلك أمر سهل. إن وقف المساعدات المالية والعسكرية التي تصل إلى هذه التنظيمات الجهادية من الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية في المنطقة من جهة، ومن الأفراد والجمعيات في هذه الدول من جهة أخرى، سينتهي إلى وقف عملياتها واستسلامها. وبعد توقف العنف والإرهاب لا بد من احتواء الجهاديين في المجتمعات العربية واستيعابهم في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
هذه مقترحات لحل الأزمة السياسية الداخلية في كل قطر عربي، أما حل الأزمة القائمة بين الدول العربية فأساسه العودة إلى التضامن العربي، وإبداء مزيد من التعقل والحكمة من قادة الدول العربية، وإدراك واع للأخطار التي تهددهم وتهدد شعوبهم، وللأطماع الأجنبية في خيرات بلادهم. إن العودة إلى التضامن العربي هو الضمانة الوحيدة لتأمين الاستقرار والطمأنينة في أقطارهم. أما الاستعانة بالقوى الأجنبية لحماية عروشهم فقد جلبت لأسلافهم المذلة والخضوع لإرادة الأجنبي والهيمنة على مقدرات بلادهم لعقود طويلة من الزمن. وعليهم أن يتعلموا، ولو لمرة واحدة، العبر والدروس من ماضيهم وتاريخهم القريب. فإنشاء القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيهم ليس من السهل إلغاءها أو إخراج القوات الأجنبية منها. وربط مصيرهم بإرادة الأجانب لا ضمانة له.
أما الأزمة الاقتصادية فستبقى ما لم يقدم القادة العرب عن اقتناع على التكتل الجماعي، وتفعيل آليات العمل الاقتصادي العربي المشترك في مجالات التجارة والتمويل والاستثمار، وتوفير الأيدي العاملة الرخيصة والأيدي الماهرة النشيطة، وطبقة رجال الأعمال الذكية والحيوية والمتفاعلة، مع وجود طبقة سياسية متناغمة مع حاجات مجتمعاتها، لأن مقياس نجاحها هو تحقيق المصالح الاقتصادية للدولة ولمواطنيها.
ولما كان العرب لا يعيشون في جزيرة معزولة، ولديهم هامش من الحرية في التعامل مع المتغيرات الدولية، وبخاصة الاقتصادية منها، فلا بد من بلورة استراتيجية لا تتقاطع مع الآخرين ولكنها لا تستسلم لسطوتهم. فإذا تمكن العرب من بناء اقتصاد عربي يتاح فيه للقطاع الخاص ممارسة نشاطه الذي يتناسب مع حوافز المبادرة الفردية وغاياتها، وتحققت الموازن بين الأبعاد الدولية والإقليمية والعربية في العلاقات الاقتصادية. ويرافق ذلك بناء خطة اقتصادية تتضمن مشروعات تتناسب مع الميزات النسبية لكل قطر عربي، وإزالة التنافر بين مكوناتها، والحرص على تكامل مفرداتها، ومن ثم طرحها للاستثمار الدولي والعربي، وتنفيذها وفق الأسس الاقتصادية المتعارف عليها في العالم.
وعلى صعيد الأزمة الثقافية، لا بد للقوى المؤمنة بالعروبة وبوحدة مصير هذه الأمة أن ترقى إلى مستوى المسؤولية التاريخية، وأن تحوّل إيمانها بالعروبة إلى مرحلة تاريخية جديدة، تتجاوز فيها وتنهض بها للتقدم والتحرر والوحدة، بعد الخروج من هذا النفق المظلم والصراع المذهبي والجهوي والقبلي الذي نعيشه اليوم.
ما تزال العروبة كانتماء ثقافي الفكرة التأسيسية الكبرى القادرة على التجميع ولم الأشلاء. ويتوقف الاعتماد عليها على قدرة المؤمنين بها على طرح خطاب سياسي مقنع للمكونات الثقافية والاجتماعية المختلفة في مجتمعاتنا من ناحية، والجيل الجديد من الشباب والشابات من ناحية أخرى، وأن يستعمل لغة العصر وتعبيراته، ويوظف آلياته الجديدة في مجال الاتصال والمعلومات.
وبعد ذلك فتح مدير اللقاء المجال أمام الحضور بطرح الأسئلة والمداخلات التي أثرت اللقاء بما تطرق إليه الحضور من أفكار بناءة تصب في عمق المواضيع التي تناولها عطوفة الدكتور علي محافظة.