بوح عزيز بارودي "نثيرة روحها الشعر"
19-10-2018 09:29 PM
عمون- وقّع الشاعر الأردني المغترب "عزيز بارودي" مجموعته الشعرية "بوح لا يشفي الغليل" في مراسم حضرها جمهور عريض غصّت به قاعة غالب هلسا/ رابطة الكتّاب الأردنيين في العاصمة عمّان، وكان شاركه المنصة الأديب الناقد الدكتور حسين البطوش والشاعر محمد خضير، وقرأ بارودي غير نثيرة بعد أن استمتع الحضور بالفيلم الذي أعدته شركة "كروما" للإنتاج الفني، تضمن قراءات للشاعر من مجموعته المحتفى بها. وكان أدار الحفل الإعلامية هديل رواشدة التي استهلت قولها بـ: "عزيز بارودي، يكتب من عالم بعيدٍ، كأنه يجلس فوق سربٍ من غيوم... يسرق خيالنا، ليصور لنا ما نود أن نراه، وما نود أن نلمسه من حب ووجْد وهُيام، يُغرق القارئ حتى أخمص قدميه دون أن يشفي غليله، كأن الشعر إدمان لا نكف عنه..".
وقدّم الشاعر محمد خضير شهادة إبداعية سلّط فيها الضوء على مسمى "نثيرة" التي كانت واصفة المجموعة بقوله: "نحن أمام شكل من أشكال الشعر الذي فتح أبواب الاحتمالات جميعها مخلفا صراعاً حول تسمية ما أتى لاحقاً لقصيدة البيت والتفعيلة... وربَّما لن يشفي هذا البوح غليلَ مَن ذهبوا إلى تسمية النثيرة بـِ"قصيدة النَّثر" كمصطلح معلَّب قادم من الترجمات الغربيّة، لنمارس بذلك كسلاً أدبيّاً آخر يغرِّب اللغة مشوِّهاً ما اتُّفق عليه! فإذا كان الباحث عن لقب القصيدة مؤمناً بالشعر وتسمياته؛ فلماذا يعتبر الشعر مادة كلاسيكيّة لا تتوافق وحداثويّة المرحلة الأدبيّة!! أدرَكَ عزيز بارودي هذا البون عند أوَّل ديوان، فكانت واصفة الديوان "نثيرة" وهو بذلك يسجِّل أول جرأة تأخذ النصَّ إلى مرآته الحقيقيّة حتى نراها بثوبها التي هي عليه؛ مدركاً أنَّ مفردة القصيدة وعاءٌ له بحوره وأوزانه التي لا تعلو على النثيرة في كثير من الأحيان. هذا البكر تجربةٌ أولى يخوضها بارودي في المهجر، وقد أحسن حين أبقى على عربيَّته كلغةٍ تستحق الحياة بعد أن تورَّط في ثقافة الآخر التي ذاب أبيضها في كأس عزيز... فكان هذا البوح".
فيما ذهب الناقد الدكتور حسين البطوش إلى الغوص عميقاً داخل نصوص المجموعة: "لقد اختار الشاعر عنوان هذه المجموعة النثرية تحت اسم (عزيز بارودي) بالخط العريض القاتم فضاء نصياً يشي بالانحدار الذي يعلو عتبةً نصية ثانية، على سبيل الشاعر النبي لا الرسول فهو مكلّف بصلاح ذاته على وجه الإلزام لتيه الأنا وتشظيها بعد أن تبددت لديها الأماني بهذه الأمالي:
(كيف أصير الشاعر الذي أريد؟ كيف أصير الشاعر الذي لا أريد؟ أأكتب عن عتبة الدار؟ أأكتب عن وطن سليب؟ لأصير يوما الشاعر الذي أريد والذي لا أريد؟)
تساؤلات حول ماهية هذا البوح الذي لا يشفي الغليل بمؤدى الجملة الاسمية القائمة على التعريف الجملي (الجملة الخبرية) بمدلول المراوحة بين الثابت والمتحول (البوح/ الاسم/ الثابث) بوصفه حدثاً غير مقترن بزمنلو (يشفي/ فعل/ المتحرك) بدافع الاغتراب وهزيمة الذات للذات من ثنائية (الحدزمنية) رفضاً للاهوتية ووصولا للفيزيائية من خلال الميتافيزيقية من أجل مراوحة تبنّي ثيمة الحالّ المرتحل ... السكون داخل الحركة؛ إنها الرمضاء ببساطة التعبير، لما يشي بعجز المبدع وقلقه من فاعلية الخطاب العاجز عن تفريج الغليل في ظل هذا الفضاء النصي الموشى بدلالة الحذف في نص الإهداء الموجه للآخر الأنثى (إليكِ)؛ فلا تأويل دونما الوقوف على نوايا المبدع.
ولعلها المعاناة الشخصية التي تستمري فنّ الخطاب بين العشق وخيبة الأمل على صعيد، وبين هجرة الوجدان للبعيد اللامأهول المحبط من التحليق بمحدودية المفردات بمعيارية الهمّ الجمعي الطامح عن الدائرة الفردية الانسانية وفق تنوّع خطابات شعرية تجلت بالحنين للوطن المغتصب بصوت الثائر وفق املاءات ذهنية جسّد لها الشاعر مفرداته الدالة على بوح انفجاري، إنهم شعراء المهجر الذين تحدوهم نزعة التوجّد ووعكة التأمل في غربتهم كلماتٍ فوق الحنين من خلال هذه المحاولة الجادة التي تعبث بها فنتازية شعر آلت إلى ميلاد (عمان وغزة والغُوطة) في قصائد ألفيتها ارتقت بشكل عام إلى حدٍ مقبول على مستوى المضمون عندما بدت عاطفتها فيض حالة ذهنية كثيفة تخالجها على الدوام هماً وحدوياً فردياً تماهى للخطاب الحكائي المباشر وغير المباشرة على نحو المونو والديولوج بنكهة المونودراما، ليواكب الهمّ الجمعي ترجمة حقيقية لممثل يتسيّد صوته مسرح الاغتراب لما يثير الاهتمام والفضول إلى تتبع نهاياته الخطابية عنصرا شائقا ماتعا بلغة التلوين الاستعاري وفق توظيف الألفاظ الدالة الموحية إلى جانب اختياره الموفق في أحايين كثيرة لإيقاعات موسيقية شجية رائعة، بيد أن ثمة ما لم ترق للحد المطلوب تحديدا، وأنت تدرك تماما بأنها الفاصل الوحيد بين النثر و(النثيرة) على سبيل التوظيف المناسب لمعنى القصيدة ومغزاها، لاسيّما لتلك المعاني الجميلة التي زادت لديك من تضاعيف قيمة هذا البوح بوصفه عاملاً مؤثراً في نفس المتلقي عندما تدهشه التحولات الدلالية التي تنعتق فيها الدوالّ من مدلولاتها وتتحول إلى ومضات تتطاير في سماءات المعنى غير الملتزمة بمعانيها المعجمية".