تحت ذريعة الدفاع عن الاسلام والخوف عليه تواطأنا - كمسلمين- على تمرير و تبرير مقولات فقهية ودعوية جاهزة استهدفت اقناعنا بأن وضع
( الدين) في غرفة مغلقة هو أفضل طريق لحمايته، وكدنا نصدق بأن هذا الدين هو - فقط- ما وجدنا عليه أباءنا، ولا يحق لنا أن ننتقدهم حتى لو أخطأوا، وحين صدمتنا صور التطرف التي يقوم بها بعض من ينتسبون للاسلام لم نصدق بأن ما فعلوه هو جزء مما تعلموه على أيدينا، ومع أننا سارعنا لإدانتهم إلا أنه لم يخطر في بالنا أن نطلق سراح إسلامنا الذي اعتقلناه واحتكرنا فهمه وخبأنا مفاتيحه في أدراجنا المغلقة.
لكي يتاح لنا أن نعرف الإسلام ونفهمه على حقيقته، لابدّ أن نتجاوز أولا فكرة الخوف على الاسلام وثانيا فكرة الخوف من الإسلام، ولابد ثالثا من تحرير الدين من قداسة التاريخ وإرث الاحكام الفقهية الجاهزة، ولابد رابعا من اعادة الاعتبار لوظيفة الدين الاساسية القائمة على الإرشاد و الهداية ورسالته الإنسانية المنفتحة على العالمين، ولابد خامسا من ترسيم علاقاته مع العلم و السياسة وغيرهما من المجالات التي اشتبكت معه، وأن نجدده ( بروح) الاخلاق التي هي مبتدؤه وخبره وجوهره، ثم نترك له حرية الحركة في حياتنا من دون ان يكون ثمة سلطة تحدد مساراته وخياراته، سواء أكانت هذه السلطة حركة أو حزبا أو دولة، فالدين ليس سلطة تفرض بالاكراه، ولا موعظة تلقى في المناسبات، وإنما هو روح يتحرك في أنفسنا، فيمنحنا ما نحتاجه من رضى وطمأنينه وما يجعلنا نعمر حياتنا وإنسانيتنا وآخرتنا، ويضمن سعادتنا أيضا .
إذن، لا خوف على الاسلام، يكفي أن نذكّر هؤلاء الخائفين بأن الرسول الأكرم تمكن في 13 عاما من بناء الانسان و المجتمع و الدولة، وان العقيدة منذ ذلك الوقت استقرت في قلوب المسلمين ولا يمكن اقتلاعها فكيف نخشى بعد 1500 عام على هذا الدين الذي انتشر في كل بقعة على الأرض، لكن الخوف علينا نحن المسلمين من تضييع فرصة استلهام مقاصد الدين ووضعها في خدمتنا، فالدين ليس قانونا نرضخ له، أو رواية نقرؤها على أبنائنا وإنما هو آية نتفاعل معها، فتمنحنا الحياة الطيبة، وتدفعنا الى العمل و البناء، وتفتح أمامنا آفاق الحرية و الكرامة و العدالة.
شجرة الدين قائمة ولن تزول ابدا، وجذورها ثابتة في أعماق تربتنا الحضارية، ولكنها مثل أي شجرة تنمو وتتمدد بحاجة إلى من يتعهدها بالرعاية و الاهتمام و السقاية و التقليم، وأكاد أقول إنها بحاجة اليوم لمن يهزها برفق لكي تتساقط كل الأوراق الصفراء و الفروع الميتة التي أعاقتها عن النمو، و شوهت صورتها، وأوهمت الآخرين بأنها لا تثمر إلا الشوك و الحسك. (الدستور)