انتظرنا بلهفة فتح المعبر الحدودي مع سورية لكن يبدو أن فتح الحدود سيعطي متنفسا للأردنيين وليس للاقتصاد الأردني في المدى المنظور (باستثناء عودة الترانزيت البري مع لبنان وربما لاحقا مع تركيا وشرق أوروبا) فمنذ اليوم الأول اندفع الأردنيون للسياحة والتسوق بشراهة كما يظهر من صور السيارات العائدة من هناك، وقد باعت محلات الصرافة في أول يومين لفتح الحدود أكثر من 100 مليون ليرة سورية وعلى نفس الوتيرة سيصل المبلغ خلال شهر الى ما يعادل مليونين ونصف المليون دينار نفترض انها ستنفق هناك، بينما لن يأت قرش واحد من سورية، وهذا مفهوم ما دامت الأسعار هنا هي أضعاف الأسعار هناك. وهذا ينطبق على المستوى التجاري فسيكون الميزان مختلا بالكامل لصالح سورية مع انها بلد مدمر خارج من الحرب يفترض أن تعتمد على السوق الأردني بدرجة معينة كما كان الحال مع العراق. وفتح الحدود أمر ايجابي على كل حال لكن لا يجب أن نتوقع أثرا حاسما على الاقتصاد الوطني. وتعود السياسة الاقتصادية المحلية لتكون هي الأساس محط الأنظار والآمال لإحداث الأثر الذي ينتشل اقتصادنا مما هو فيه.
لعل الاعتماد على العوامل الخارجية ولّى إلى غير رجعة وقد كان الاقتصاد الأردني على الدوام سلبا وايجابا ابن الأحداث السياسية والظروف الاقليمية التي انعكست في معظم الأحيان ايجابيا وفي الحقبة الأخيرة سلبيا على الاقتصاد الأردني، ولذلك ما كنا نستطيع أن نتحدث عن نموذج ولا عن سياسات اقتصادية تقرر النهوض والنمو، ولكن من الواضح اليوم اننا لن ننتظر انقاذ الاقتصاد من عوامل خارجية أو أن هذه العوامل - مثل فتح الحدود مع سورية والعراق – قد تخفف الضرر لكنها ليست العامل الأساس في تحقيق استقرار ونمو مستدام.
أمس طرحت ندوة لمركز القدس للدراسات سؤال النموذج الاقتصادي وتم استضافة خبير الماني ليتحدث عن نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي ساد في ألمانيا وشمال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ونجح في تحقيق ازدهار اقتصادي ورفاه اجتماعي باهر، واستضافة د. جواد العناني للاجابة عن صلاحية هذا النموذج للأردن وهو بعد استعراض لتاريخ الاقتصاد الأردني وتحولاته ردّ بالايجاب لكن الحوار خلط بصورة ما بين هذا وبين التحديات المباشرة والحلول لها وهما مستويان مختلفان فبعض السياسات والإجراءات ليس بالضرورة أن ترتبط بمدرسة معينة فقد تفرض الظروف في وقت ما خفض الانفاق على الخدمات والرعاية الاجتماعية من حكومة اشتراكية مع أن برنامجها يقوم أساسا على التوسع في الانفاق على الرعاية الاجتماعية.
في الأردن لم تنضج الحياة السياسية والحزبية ليكون النموذج الاقتصادي هو موضوع الصراع والمنافسة لأننا لم نحل ابتداء مسألة إدارة القرار في الحكم وعليه نعود إلى ربط الإصلاح الاقتصادي بالسياسي كما يحصل مجددا الآن. على أن ذلك لا يلغي ضرورة التفاهم على برنامج طوارئ اقتصادي لمواجهة الأزمة الراهنة وعلى هذه اجاب العناني باقتراح رئيس هو عشرة مشاريع كبرى في المحافظات! والذهاب الى مشاريع كبرى موجودة كما افترض على اجندة الحكومة الحالية وكنت ممن نادى بقوة بذلك وهناك مقترحات لطرق التمويل وسنر إذا ما كان سيرد في برنامج الحكومة الذي سيعلن عنه قريبا. (الغد)