أفلام الدعاية والمحاكاة للباص السريع هل سنراها واقعا
فتح رضوان
18-10-2018 06:04 PM
لو افترضنا أن الخبراء الأجانب الذين أوصوا باستكمال مشروع الباص السريع لديهم فهم أعمق للمشروع ومآلاته فهل أخذوا في الاعتبار جميع الإسئلة التشغيلية في حال تجاوزنا وسلمنا بصحة تصاميم وتنفيذ البنى التحتية للمشروع والتي لن تنتهي قبل نهاية العام ٢٠٢٠ حسب البرنامج التنفيذي المعدل للمشروع.
هل ثبتت الجدوى الاقتصادية للمشروع بتقديرات حقيقية لعدد المستخدمين المحتمل.
أفلام الدعاية للباص أحلى من الأحلام الوردية، الباصات ستنقلنا في مواعيد محددة كما في دليل للحركة سنحمله في جيوبنا لنعرف أي ساعة وأي دقيقة سيمر الباص من هذه المحطة، ستنقلنا باصات وحافلات أخرى الى محطات التوقف الرئيسية، الحركة ستكون سلسة ممتعة حيث سنستمتع بالشجيرات ذات الألوان البهيجة على جانبي الطريق، لا بد من التنويه هنا أن الأفلام الدعائية التي أنتجت في ٢٠١٦ كانت تتحدث عن عام ٢٠١٨ كموعد محتمل لإطلاق المشروع، لكن التقديرات كان فيها القليل جدا من عدم الدقة وأصبحنا الان نسمع عن نهاية ٢٠٢٠ وربنا يستر من بعض عدم الدقة مجددا.
تقول الأفلام الدعائية أن البنية التحتية للباص ستنتهي في نهاية العام ٢٠٢٠ ( أخر تصريح) ويجري العمل الان على مشاريع التشغيل والمشغلين، ستكون الأجرة في متناول الجميع، سنحل مشكلة النقل في عمان الى غير رجعة.
ونحن نشاهد أفلام الدعاية وشروحات القائمين على المشروع نتذكر للأسف كيف فشل القائمون على النقل العام في عمان حتى في صيانة الحافلات وكيف فشلوا في الحد من الازدحام المروري في ساعات الذروة وكيف أفشلت سياساتهم وعدم متابعتهم لشكاوي المواطنين التاكسي الأصفر وكيف تردت الخدمة وكيف اضطر المواطن أن يشتري سيارة نصف عمر ليضمن التقليل من عذابات الوصول الى دوامه كل صباح.
دعونا نقول حتى الان أن ما تم انجازه من دوار صويلح وحتى دوار المدينة يمكن الوثوق بطريقة أو أخرى باستغلاله مع الشكر الخالص للقائمين على هذه المراحل لحرصهم على التقليل من تأثير الأعمال الموقعية على حركة السير - هذه المرحلة ستنجح نظريا لكثافة الحركة على شارع الملكة رانيا من صويلح الى دوار الداخلية مرورا بمستشفى الجامعة ولكن لو افترضنا أن مواطنا جاء من أربد بسيارته الى دوار صويلح أين سيركن سيارته ليستقل باص التردد السريع ولو توفر الموقف هل سيكون مجانيا، هل سيكون مجديا للمواطن بعد أن وصل بسيارته من إربد ( كمثال) قاطعا مسافة ثمانين كيلو مترا أن يستقل المسافة المتبقية وفي حدها الأقصى ثلاثون كيلو مترا باستخدام باص التردد السريع.
لو افترضنا أن الأمانة اثبتت الجدوى التشغيلية فهل ستكون الأجرة عادية وفي المتناول في ظل توفر السيارة الكهربائية وخدمات النقل من أوبر وغيرها وما سيطرأ من تغييرات الى حين تدشين المشروع.
اذا كانت البنية التحتية للمشروع ستكون جاهزة في نهاية ٢٠٢٠ فمتى ستكون باصات التردد السريع فاتحة أبوابها مرحبة بالركاب.
هل تستحق النتيجة التي ننتظرها من الباص السريع أن المواطن يحتاج الان ساعتين للانتقال من دوار صويلح الى دوار الداخلية - في ساعات الذروة - إلا أن ننتهي من إعداد خطوط التردد السريع للتشغيل.
هل تقوم أمانة عمان بدورات تأهيل للساىقين العمومين على كيفية التعامل مع المواطن، هل سنرى سائقا عموميا يحترم المواطن ويجيد التعامل معه لا كما يفعل جزء هام من سائقي التاكسي الأصفر وغيرهم من سائقي الحافلات.
هل جهزت أمانة عمان مشاغل الصيانة وبدأت بتدريب الكوادر حتى لا تحترق باصات التردد السريع على الطرق كما يحصل لبعض باصات النقل العام حاليا في الصيف.
لقد اكتشفنا من مشاهدات تنفيذ الخط من دوار صويلح الى دوار المدينة أنه كانت هناك مساحات توسع متاحة على جانب الطريق في الاتجاهين كانت ستحل جزء هام من الازدحام المروري دون تحمل وجع انتظار مشروع لا أحد يستطيع الجزم بنجاح تشغيله.
على كل حال دعونا نبقي جميع الأسئلة أعلاه في ذمة أمانة عمان ونتوسل إليهم عدم الاستهانة بذكاء المواطن ولا تقديره لاحتمالات نجاح أو فشل المشروع، وبالتالي تبرير التغييرات المستمرة في مواعيد تشغيل المشروع حيث تم الإعلان مؤخراً عن وصلة استراتيجية من تقاطع طارق وحتى تقاطع عين غزال بطول ٤ كيلو متر وتكلفة ٤٥ مليون دينار ولا ندري حتى الان كم من مئات الملايين من الدنانير ستكون التكلفة النهائية للمشروع بيناه التحتية والفوقية ومختلف مستلزماته وخدماته
دعونا الان ننتقل الى مناقشة حالنا وأحوالنا في عمان من الان وحتى نصل الى الوعود الوردية بكفاءة وقدرة الباص السريع على حل مشكلة النقل في عمان حيث سينتقل المواطن من انتظار الباص على دوار صويلح أو الركوب واقفا الى مرحلة انتظار الباص له في الساعة والدقيقة المحددة في جدول المواعيد في المحطة حيث أننا سننتقل الى مستوى الدول الإسكندنافية حيث يعرف المواطن وحسب الدليل في جيبه متى سيستقل الحافلة ومتى سينزل منها مرتاحا فرحا وعلى مقربة من مكان عمله.
هل احتسبت الأمانة تكلفة الزحام لمدة ثلاثة أعوام وهل هناك تقدير لأثر الزيادة المستمرة في أعداد السيارات الخصوصية خلال الثلاث سنوات المقبلة.
أليس من مناقشات جادة وواقعية تراعي ثقافتنا وأحوالنا في النقل العام والخاص.
هل احتسبت أمانة عمان كم ستكون حصة باص التردد السريع في حجم النقل العام بعد ثلاث سنوات على افتراض أن المشروع جرى تنفيذه دون تأخير أو وصلات جديدة لم تكن في الحسبان .
هل سيرضى المواطن أن يدفع أكثر مما يكلفه الانتقال بسيارته الخاصة.
المشروع لا يعني حسب ما تنشر أمانة عمان تقدما فقط في تكنولوجيا النقل بل يعني تغييرا ثقافيا هائلا بحيث يترك المواطن سياراته في كراج منزله على الأقل في الأماكن والمسارات التي سيسلكها باص التردد السريع وسيعتمد على باص التردد السريع، هل الأمانة واثقة من تجاوب المواطنين.
ما طرحناه أعلاه ليس أبدا متأخرا فالتحديثات على جداول تنفيذ المشروع لا تزال مستمرة مما يدل على أن المشروع لم يطبخ على نار هادئة، وبالتالي فطرح الإسئلة لا يزال في وقته ولم تتجاوزه رزنامة المشروع.
لم يفت الوقت لعصف ذهني جديد وحلول مبتكرة والوقوف على ما بدور في أذهان المواطنين من أسئلة تنتظر إجابات وافية ومقنعة ففي النهاية نحن نتحدث عن إنفاقات بمئات الملايين حتى يكتمل المشروع ويتصل في محطاته ما بين عمان والزرقاء وبالتالي ونحن هنا نتحدث لغة هندسية خالصة إن لم تكن إجابة كل الإسئلة ولا سيما في مرحلة تشغيل المشروع وافية ومقنعة ومنطقية وتظهر جدوى المشروع وأن يوفر المشروع للمواطن حلا اقتصاديا لمشكلة انتقاله لمكان عمله وإلا فلا بد من تغييرات في جوهر المشروع تستفيد مما تم إنجازه من مراحل وتتسق مع دراسة جدوى اقتصادية واجتماعية تحفظ للمشروع الاستدامة والتطور ولا سيما أن هذا النوع من المشاريع في الدول المتقدمة لا يمكن أن ينفذ دون موافقة المجتمع حيث تتم الدعوة الى اجتماع عام يحضره الجميع ويكون هناك تقييم أثر بيئي واجتماعي باهظ التكلفة وذلك لإعطاء نتيجة حتمية حول سيناريوهات الفشل والنجاح للمشروع.
ومن الجدير بالذكر أن معضلة الازدحام المروري سواء الان او حتى بعد إنجاز المشروع لا يد من أخذها بعين الاعتبار وأهم دراسة في هذا السياق كم ستكون حصة باص التردد السريع كنسبة مئوية من سوق النقل في عمان وإلا فسوف تستمر الأزمات والاختناقات المرورية على حالها ولن يكون لهذا المشروع تأثيرا في تحسين بيئة عمان السياحية والخدماتية.
الحديث في شأن جدوى المشروع يطرح أسئلة لا تنتهي في ظل بدائل واقعية أكثر وتتماشى مع واقعنا في البنية التحتية في النقل وغيره علاوة على قدرة المواطن على الدفع إن لم يكن التنقل بهذه الوسيلة الجديدة متماشيا مع قدرته المالية ويوفر عليه الوقت والجهد فلا يمكن أن نقارن أنفسنا ببلدان أجرة الساعة للعامل غير الماهر فيها قد تزيد عن عشرين دولارا.
نحن لا نملك ترف انفاق مئات الملايين من الدنانير على مشروع لا نرى جدواه واقعا مثبتا بالأرقام غير القابلة للنقض أو التشكيك وإلا فسوف ينضم هذا المشروع الى قائمة طويلة من المشاريع الفاشلة بكل أسف ولكن لا يزال الاستدراك ممكنا جدا يا أمانة عمان.
من التجارب التي رأيناها حول العالم في حل مأزق الاختناقات المرورية ولا سيما ساعات الذروة، لدينا على سبيل المثال السيارة ذات المقعدين والصغيرة جدا والتي ستوفر مساحات هائلة على الطرق حين نرى في معظم سيارات الصالون راكبا واحدا يستخدم سيارته العائلية للذهاب لعمله في ساعات الذروة ومن المشاهدات أيضا حول العالم مسارب الدراجات الهوائية فطالما توسيع الشوارع وتقليل الأرصفة ممكن لماذا لا نبدأ بتعميم ثقافة استخدام الدراجة الهوائية من خلال مسارات الدراجات الهوائية أو ما يعادلها من الدراجات التي تعمل بالماتور في حالات عدم ملاءمة طبوغرافيا المنطقة لاستخدام الدراجة الهوائية وهذا حل واقعي حين تكون مسافة انتقال المواطن من بيته لمكان عمله لا تتعدى الخمسة كيلو مترات.
في الخلاصة فإن علم الهندسة وتطبيقاته العملية في المشاريع يقول أن أوامر الغيار لتدارك أخطاء المشاريع هو شيء مباح ومعمول به في المشاريع الهندسية في كل مكان إن اقتضت المصلحة ذلك وليس مهما أن ينتهي مشروع الباص السريع بنفس الطريقة التي بدأ بها إن كان ذلك يجنبنا إنفاق مئات الملايين من الدنانير ونحن غير متأكدين بشكل يقيني من جدوى إنفاقها ولا سيما إن كانت لدينا الإرادة وصدق التوجه أن لا نلدغ من جحر مرتين ولا سيما أن المشروع قد تم إيقافه لسنوات قبل استئناف العمل به من جديد.