أثناء زيارتي إلى الشقيقة تونس، التي أزورها للمرة الأولى بعد "الربيع العربي" للمشاركة في مؤتمر علميّ، وبينما كنت أتجول في السوق الحرة بالمطار لشراء بعض الحاجات، استوقفتني سيدة موظفة في السوق، لتسألني إن كنت أحتاج لمساعدة، وبعد أن سألتها عن شيء محدد، سألتني من أين أنا، فقلت لها : من الأردن، فردت على الفور قائلة: " نيالكم بالأردن" إنكم محظوظون بوطنكم وبقيادتكم وبشعبكم، فلطالما سمعنا عنكم كل خير، وأنكم تنعمون بالأمن والاستقرار، وتمضون في بناء بلدكم بحكمة وتعقل تنال الإعجاب والتقدير. فشكرتها، وقلت لها: إننا كأردنيين قد نختلف في أشياء كثيرة، لكننا نجتمع على شيء واحد هو محبة الأردن الذي نضعه في حباب عيوننا، وبناه الهاشميون والمخلصون من أبنائه بكد وعزم وإرادة، ويواصلون مسيرتهم على النهج ذاته والحلم نفسه، ليكون وطناً يتسع لجميع أبنائه، ورددت لها السؤال، بعد أن أثنيت على ما حققته تونس في السنوات الماضية، عن حال بلدها تونس، وكيف ترى الأوضاع فيها، فأجابت، بعد أن صمتت لبرهة، بكلمة واحدة قائلة: "بكرة"، فأدركت أنها لا تريد أن تتحدث أكثر. انصرفت لأن موعد المغادرة قد حان، وأنا أتأمل بتلك الكلمة التي قالتها، وما كانت تحمل من معانٍ وعبر، لأدرك أنها قد تعني عدم الرضى عن الحاضر، وعظم التحديات، وانتظار المستقبل الأفضل، أملاً بتغيير الأحوال الحالية وتحسن الظروف.
لقد أدهشني التوصيف لتونس، لأنها الدولة العربية الوحيدة التي خبرت التغيير الشامل نتيجة لـ"الربيع العربي"، بعد أن تمت الإطاحة بالنظام السابق، وأنجزت دستوراً مميزاً من خلال توافق بين القوى السياسية، وشهدت انتخابات حرة ونزيهة، ولكن بالرغم من ذلك، فلم تستطع تونس من خلال هذا النظام الديمقراطي أن تحل مشكلاتها الاقتصادية مثل البطالة والفقر، ولم تستطع أن تحد من الفساد الذي كان أحد الأسباب للثورة التونسية.
سبع سنوات شهدها العالم العربي أشبه ما تكون بزلزال أدى الى تحولات متباينة في الدول العربية، منها من دخل في حروب أهلية وصراعات مذهبية، نتيجتها دمار هائل، وتفكك منظومة الدولة والمنظومة الاجتماعية، ومعاناة الكثير من شعوب هذه الدول من الفشل والتشريد، وفقدان الأمل بالمستقبل الشخصي والعام في تلك الدول.
وهناك أيضاً بعض الدول التي لم تغير شيئاً، واستطاعت أن تعبر موجة "الربيع العربي" بدون أي تغييرات تُذكر، ولكنها أيضاً تعاني من مشكلات مشابهة للدول التي شهدت تغيرات كالفقر والبطالة والفساد والسلطوية.
بالمقابل، هناك بعض الدول التي قامت بإجراء إصلاحات سياسية كانت تشكل مطلباً للحراكات المختلفة والمعارضة، وعبرت بسلام من موجة "الربيع العربي"، ولكنها لم تشهد إصلاحاً سياسياً كبيراً، ولكنها بالوقت ذاته لم تستطع أن تقدم حلولاً لمشكلاتها، وبخاصة الاقتصادية وغيرها من المشكلات.
بالمجمل، فإن الدول العربية اليوم، وبدرجات متفاوتة، وبصرف النظر عن التحولات التي شهدتها، تعاني من مشكلات متشابهة، والخوف من المستقبل والقلق على مستقبل الأوطان والشعوب. هذه التجارب المختلفة لم تقدم حلولاً للمشكلات التي تعاني شعوبها منها، وتعيدنا الى مرحلة من الركود الاقصادي والسياسي شبيهة بتلك التي كانت سائدة قبل مرحلة " الربيع العربي".
أما الأردن، فقد تعرض الى ظروف دولية وإقليمية قاسية، واستطاع الصمود في وجه كل هذه التحديات، وبشكل كان يثير دهشة المراقبين. والسؤال الذي كان يوجه إلينا دائماً هو: كيف استطاع الأردن العبور الى بر الأمان بالرغم من كل هذه التحديات؟ والجواب دوماً يذهب باتجاه حكمة القيادة، وإرثها السياسي والمعنوي، وعقلانية وصبر الأردنيين، وانتمائهم الكبير لوطنهم الأردن. ولكن، ذلك لا يعني عدم وجود مشكلات. لدينا جزء كبير برأيي يرتبط داخلياً بضعف الحوكمة، الذي أدى الى تراكم المشكلات الاقتصادية مثل البطالة والفقر، وضعف توزيع مكتسبات التنمية والفساد وغيرها. وكلنا نعلم أيضاً الظروف والبيئة الإقليمية الصعبة، التي نتعامل معها، ولكن أيضاً يجب أن لا نهمل الإنجازات التي حققتها الدولة والشعب الأردني.
الأمل في " بُكرة" لكل الشعوب العربية، فـ "بكرة" تعني وهج التفاؤل، وبسمات الأمل، " بكرة" تعني إشراقة الحياة المفعمة بالعزم والعمل على بناء أوطاننا.
الغد