أسئلة الإصلاح السياسي المقلقة!
د. نضال القطامين
18-10-2018 12:22 AM
بعد عقود من التجربة الديمقراطية الأردنية، ما زالت أسئلة الإصلاح السياسي تتصدر المشهد المحلي، بكونها وصفة ناجعة تحمل حلولاً اقتصادية واجتماعية.
يأمل جلالة الملك بتجربة أردنية مثلى في سياق الحديث عن الاصلاح السياسي، وتلقي آراء جلالته أحجاراً في برك النخب السياسية الأردنية الراكدة، بوجوب وجود تنوّع حزبي يمثل الاتجاهات الثلاث يمين ووسط ويسار. لكن أحداً لا يتحدث عن الموضوع.
ما الذي يحدث، من المكلّف بتنفيذ رؤية جلالة الملك في هذا السياق الواردة في أوراقه النقاشية، من المسؤول عن التباطؤ في وضع هذه الرؤية على قطار التنفيذ. من ذاك الذي يتعمّد تغييب كامل لدور الحكومات وللجامعات ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب والهيئات الثقافية والاجتماعية وتحييدها عن التقدم لفتح حوار يليق بهذه الأوراق وبأفكارها التقدمية.
لو كان لي شرف كتابة خطابٍ قادم لجلالة الملك، لابتدأته بسؤال الحكومات عن مآلات الأوراق النقاشية وعن إجراءاتها التنفيذية حيالها وأسباب تجاهلها وإفشالها.
على الرغم من اكتساب هذه الأوراق أهمية استثنائية حداثية وتقدمية، إلّا أنه لم يكن أمامها نافذة حكومية مشرعة للنقاش وللحوار حيال تفاصيلها. أيُّ بؤسِ سياسي هذا الذي نشهده وأي بؤسِ سياسي تعيشه النخب ! أيُّ إصلاح سياسي نطمح إليه في عصر العولمة وثورة الاتصالات وانهيار الامم الهشه ديمقراطيا ونحن أمام مزيج مدهش من جدّافين احترفوا معاكسة التيّار، وأمام ثلّة لا زالت تمارس طقس النعام، وطقس الإسفنج، تَعبّ مياه البحر ولا تشربها، يطمحون بأن يبقى هذا الشعب التقدمي الناضج أسيراً لقانون انتخاب متغيّر متخلف، لا تؤسس مخرجاته لما يمكن ان يكون تغييرا سياسيا في أساس العمل البرلماني وفق اَي نموذج عالمي.
من المهم أن نبدأ الآن. هذا واجب مؤسسات الدولة كلها وليس مهمة الحكومة وحدها. أمّا أول ما يجب البدء به، فهو أن نؤمن بما سنفعله، وأن نعلي من شأن ثقتنا في أن مكونات الشعب الأردني المستندة إلى تاريخ طويل من الوعي السياسي، ستكون مهيأة لهذا التحوّل السياسي، خصوصا في ظل ما يعتري هذا المجتمع من تباين وتفاعل كامل إزاء القضايا ذات الحضور الوطني والاقليمي وألاعيب الامم.
لا تهدف أسئلة هذا المقال سوى توجيه إرادة الحكومه والبرلمان والنخب ومكونات المجتمع نحو طريق واضح المعالم للإصلاح السياسي.
ربما يتحتم علينا في البدء أن نكون بالتأكيد دكتاتوريين في فرض وجود ثلاثة أحزاب، ربما علينا أن نُخرج قانون انتخاب يضمن وجود هذه الأحزاب، مع النظر جيدا بأن بقاء العشيرة كوحدة اجتماعية لا يمكنه أن يكون عائقاً محتملاً أمام صعود قوي للأحزاب، وعليه؛ فإن بإمكان دراسات عميقة وحوار وطني واسع، أن يخرج بنموذج أردني يوافق بين مكوّنات المجتمع كلها.
من المهم كذلك، أن نهيىء أنفسنا لما ينبغي عمله في هذا الإتجاه، لكن الأهم هو أن يكون لهذه الأفكار وعاء سياسي ينهض بواجب البدء بتنفيذه، لا أن تتوزع دماؤه على وزارات ومؤسسات تتقاطع في أهدافها بشكل يهمّش الفكرة ويمضي باتجاه تأجيلها، على ان يتبع هذا الوعاء للديوان الملكي او لرئاسة الوزراء وفق مسوّغات دستورية.
إن من شأن استحداث جسم إداري تنحصر مهمته في متابعة تحويل رؤى جلالة الملك الواردة في الأوراق النقاشية وفي خطابات وتوجيهات جلالته، إلى مؤشرات أداء سياسية واقتصادية واجتماعية، أن يكون خطوتنا الوطنية الأولى. على ان يكون في جوهر عمل هذا الجسم، استيعاب أفكار المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع جغرافيا وديمغرافيا، و معرفة الوسائل المناسبة لهذا الاستيعاب، بما في ذلك من بدء بحوار وطني شامل.
لو كان لدينا هذا الجسم الإداري منذ بداية التجربة الديمقراطية الأردنية الحديثة - الانتخابات التكميلية 1984 -، لما كنّا الآن نسهر جرّاء قوانين انتخاب عرجاء (تحت التجربة) ونختصمُ، ولتجذّرت هذه التجربة وترسّخت حتى باتت مسلمات أساسية في المجتمع، لكننا نمنا غارقين في تجربة سميناها ديمقراطية دون ان ترقى ابدا للمعنى الحقيقي لذلك، وكانت المحصّلة تراكم الثغرات وإعادة انتاج لقوانين انتخاب كرّست العشائرية والمناطقية وبالطبع لم تمهد الطريق ولم تسوّيه نحو إنتاج احزاب تكمل المشهد الديمقراطي الحقيقي.
دون تأسيس شامل لحياة برلمانية ديمقراطية حقيقية، لا يمكننا القول بأن تجربتنا ناضجة في هذا السياق، وإذا ما كان رأس الدولة يطلب منّا ذلك ويرغب به ويطمح إليه؛ فعلامنا إذا نقبل الإستكانة لنوع من أنواع السياسة لا يمكننا أن نسميه تمثيل يؤسس لحياة ديمقراطية كاملة ؟