لعلي لا أذيع سرا إن قلت بأنني من جيل تفتحت عيونه ونمت مداركه في ظل المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين رحمه الله، الذي ملك قلوبنا وعقولنا وملأ علينا الدنيا، لدرجة لم نعد قادرين معها، برغم إيماننا بقضاء الله وقدره، مجرد أن نتخيل يوما يسطو فيه علينا الموت ليخطف أعز الناس ويميت أبانا وأبا الوطن. حتى يوم عودة جلالته من رحلة العلاج الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية وهو يكابد زفرات الموت، بقينا نكابر ونخادع أسماعنا مستغلين تضارب الأنباء حول صحته حرصا على بقاء فسحة من أمل في شفائه، حبا وتعلقا به من جهة وخوفا من التفكير بالمستقبل من جهة أخرى.
كنا نشك بإمكانية أن يسعفنا القدر بمن يستطيع أن يملأ ولو جزءا يسيرا من فراغ يتركه غياب ملك بحجم الحسين، إلى أن رأينا ما رأيناه من حماسة الشباب وحنكة الخبراء في شبل هاشمي كان قد نذره الراحل العظيم لمثل هذا اليوم، ليؤكد لنا رحمه الله حرصه علينا حيا وميتا، بصواب اختياره لجلالة الملك عبد الله ملكا من بعده، الذي استطاع بدوره إفاقتنا من ذهولنا وأعاد لنا الأمل في سويعات إلى أن دخل عقولنا وقلوبنا بأيام معدودات عندما بدأ بخطوات واثقة ترسخ المنجز وتبني عليه وتؤسس للمستقبل بثقة واقتدار.
لن اتحدث هنا عما تحقق في العشر سنوات الأخيرة من إنجاز في مختلف الميادين والأصعدة فهي ماثلة للعيان وتحدث بها الكثيرون، لكنني سأتحدث عن الملك عبدالله الإنسان ونهجه في الحكم، فمنذ اليوم الأول لتولي جلالته سلطاته الدستورية ما فتئ يمارس نهجا فلسفته ملامسة حاجات الناس على أرض الواقع والعمل على تلبيتها، لتحسين مستوى معيشة الإنسان الأردني الذي هو وسيلة التنمية وغايتها حسب الرؤية الملكية. فمنذ الأيام الأولى بدأ جلالته يجوب البلاد طولا وعرضا بحثا عن مظلمة يزحزها عن صدر مظلوم أو عن خدمة في منطقة منسية يعيد لأهلها الأمل، لتجد غالبية بيوت الأردنيين وقد ازدان مضيفها بصورة تجمع بين جلالة الملك وأحد أفراد الأسرة،فكم من مرة شاهدنا الملك بين جموع أبنائه وإخوته كتفا على كتف، يحدثهم ويحدثونه بعفوية صادقة برغم كل ما يضمره ويعلنه الأردنيون من الإجلال والتوقير لسيد البلاد دون البحث عن مقدمات وديباجات منمقة وبرغم أن بعض المتحدثين لم يتعلموا القراءة والكتابة إلا أن البلاغة في ما يقولون تنبع من صدق مشاعرهم وإيمانهم بقرب جلالته منهم وقربهم منه، لا يدرك تلك العلاقة من لم ير الأمهات والجدات وقد اصطففن لاستقبال الملك في زياراته لقرى وبوادي الأردن وقد لوحت وجوههن شمس الأردن الزكية وعلقت بأيديهن وبأطراف ثيابهن ذرات من ثرى الوطن الطهور إحداهن ترفع علما وتزغرد للملك وأخرى تعانقة لتقول له دون ألقاب و مسميات (القلب داعيلك والرب راضيلك، دربك خضرا يا عبد الله).
mustafawaked@hotmail.com