يطرح موضوع التعديل الوزاري الذي بات يخيم على المشهد الحكومي في السنوات الاخيرة ، العديد من الاسئلة التي باتت تشغل الشارع الاردني على وقع تحوله الى عادة او ربما ظاهرة ، يلجأ لها رئيس الوزراء بحجة تصويب مسار الاداء الحكومي عبر اخراج عدد من الوزراء ، وانضمام اخرين ، وذلك بغض النظر عن الفترة الزمنية التي يعتمدها في الحكم على اداء الوزراء الذين شملهم التعديل ، او الاسس والمعايير التي استند اليها اصلا في اختيار عناصر الفريق الوزاري عند التشكيل وتقييمهم . خاصة عندما تكون فترة الحكم على الاداء قصيرة جدا ، وما اذا استفاد عند التعديل من الاجواء التي رافقت عملية انتقاء الوزراء عند التشكيل اصلا لتلافي تكرار الاسباب التي دفعت به لذلك .
واللافت ان عملية التعديل خاصة عندما تكون خلال الاسابيع او الاشهر الاولى من عمر الحكومة ، تتم دون محاسبة او مساءلة او التوقف عندها ودراستها واخضاعها لعملية تقييمية وتحليلية صحيحة للوقوف على الكيفية او المعايير المعتمدة في اختيار الوزراء ، وما اذا تمت على اساس الاهلية والكفاءة ام وفقا لاعتبارات شخصية ومصلحية ومنفعية ، تجعل من الحكومات حقل تجارب ، طالما لم نغادر الدائرة الضيقة ( المعتمدة ) في اختيار اعضاء الفريق الوزاري ، والتي جعلت من التعيين في المناصب والمواقع الوظيفة الهامة مقتصرة على اعضاء هذه الدائرة من الاشخاص الذين استوفوا شروط العضوية فيها والانتساب اليها والقائمة على الواسطة والمحسوبية .
وامام هكذا بيئة ضبابية تصبح الفرصة مواتية امام الرئيس للزج باكبر عدد ممكن من الأشخاص في حكومته ، بطريقة تجعله يرضي كافة الاطراف ( اشخاص او جهات ) ، طالما يملك مساحة معقولة من الخيارات المستقبلية ، التي تمكنه من استيعاب الاعداد التي يسعى الى ادخالها في حكومته . وما يعزز من هذا التوجه عدم الحاجة الى طرح الموضوع على مجلس النواب لغايات الثقة ، حتى لو تكرر لعدة مرات وشمل كافة الوزراء .
مثل هذه الفجوة او الفجوات التي يغلب عليها الطابع الشخصي في ظل غياب الاداء الحكومي البرامجي والمؤسسي المستند الى العمل الكتلوي الجماعي او الحزبي ، كفيلة بدفع الامور نحو مزيد من التأزيم والكلف المادية والادائية التي يدفع ثمنها الوطن والمواطن ، خاصة مع عدم بيان وتوضيح الاسباب والدوافع التي بررت للرئيس شمول بعض اعضاء فريقه الوزاري بالتعديل .
وامام هذه المعضلة يصبح من الضروري التعويل على الاصلاح السياسي في احداث التغير المطلوب ، والانتقال به من تغير في الاشخاص الى تغير في النهج ، بطريقة كفيلة بوضع الاداء الحكومي على المسار الصحيح ، المستند الى مرجعية ديمقراطية اساسها المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار وادارة شؤون الدولة ، الامر الذي من شأنه تعزيز الرقابة الشعبية والمؤسسية على الاداء الحكومي .
ما يقتضي اعادة النظر بمنظومة القوانين والتشريعات السياسية والحزبية ممثلة بقانوني الانتخاب والاحزاب ، لضمان تشكيل مجالس نيابية بطريقة تراعي التمثيل الحزبي ، وتمثيل المواطن تمثيلا حقيقيا ، وذلك بهدف التمهيد لمرحلة الحكومات البرلمانية ومن رحم حياة حزبية ناضجة ، قادرة على تأطير مسيرتنا الديمقراطية بأطر مؤسسية ، نعول عليها في تكريس العمل الحكومي البرامجي ، بوصفه التتويج الإجرائي والعملياتي للمنظومة الاصلاحية ، كفيلة بتفعيل دور المؤسسة البرلمانية عبر توسيع قاعدة التمثيل الشعبي والحزبي بما يمكن المواطن من المشاركة والانخراط في العملية السياسية على اسس ديمقراطية .
عند ذلك يمكننا الحديث عن نجاح مشروع الاصلاح الوطني ، والتعاطي معه كمنجز ديمقراطي حضاري للانتقال بالحالة السياسية الاردنية الى مستويات متقدمة وطموحة . في تأكيد على ان عملية الاصلاح السياسي لايمكنها ان تترسخ كممارسة ونهج ، الا بوجود بنية ثقافية قائمة على تعزيز دور القوى والتنظيمات الحزبية في الساحة السياسية والبرلمانية من اجل ارساء قواعد العمل الحزبي والديمقراطي ، والارتقاء به الى مستوى الممارسة السياسية المؤسسية .