أبسط ما يوصف به قرار النواب، برد القانون القاضي بفرض ضريبة 5% على إعلانات الصحف، بالسطحي وغير المدروس والعرفي كون القرار لم يراعِ تأثيره السلبي على صناعة الإعلام وأداء المؤسسات الصحافية التي تعاني اصلا من آثار سلبية اتت بها الازمة المالية عليها.
الغريب أن هذا القرار يأتي بعد وعود قطعها النواب بتعديل القانون والتخلي عن فكرة الضريبة على هذه الصحف التي تعد من دون منازع السبيل الاهم للثقافة والتثقيف والمعرفة.
المشكلة أن التعنت النيابي لم يأت لأسباب واقعية ومنطقية بل جاء كرد فعل غاضب على الانتقادات التي يتعرض لها المجلس من الإعلام ومن نتائج استطلاعات الرأي، فالنواب الذين يفترض بهم أن يكونوا نموذج الديمقراطية في الأردن يعبرون عن عكس ذلك تماما.
فمسلك النواب يتناقض مع ابسط أعراف الديمقراطية وهو القبول بالآخر واحترام رأيه, فالاختلاف يجب أن لا يفسد للود قضية، لكن نوابنا تعاملوا مع القضية وكأنها أمر شخصي مس مراكزهم، ما يؤكد أن التفكير والتريث غاب عنهم قبل التصويت على فرض ضرائب جديدة على الصحف.
ففي بلد يسعى إلى التنوير والارتقاء بالوعي، نحتاج إلى دعم الصحف لا فرض مزيد من الضغوط عليها بخاصة وان سوق الإعلانات يعاني من التراجع منذ اندلاع الأزمة، وتأثر الشركات بها نتيجة حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد الوطني.
كان الحريّ بالنواب أن يتخذوا قرار بالإجماع لدعم الصحف، لا أن تصوت الأغلبية ضدها، وكأن حالهم يقول إننا ضد التثقيف والوعي والتنوير، ونحن لسنا بحاجة إلى صحف ترتقي بالتفكير وتطور الحالة الديمقراطية في البلد.
المجالس النيابية في كل دول الدنيا تتعرض للانتقاد وليس استثناء ما يحدث في الأردن, فمعظم ما ينشر في الصحف يعكس قيام السلطة الرابعة بدورها الرئيس المتمثل بالرقابة على السلطات التنفيذية والتشريعية لهدف نبيل هو الارتقاء بمستوى أداء هذه السلطات فلا ديمقراطية حقيقية من دون إعلام يعكس الأداء وينتقده لتصويب ما يمكن تصويبه وإصلاح جزء من الخلل الحاصل في أداء هذه المؤسسات.
ليس عيبا أن تنقد الصحافة أداء النواب، طالما أن هذا الانتقاد ملتزم بالأسس المهنية والتوازن، وليس عيبا أن يرد ممثلو الشعب على هذه الانتقادات بيد أن المخجل أن تكون الردود مبنية على أحكام مطلقة ومواقف شخصية بعيدة كل البعد عن واجبات الطرفين.
خطورة هذا القرار تتمثل في انه في حال إقرار القانون الجديد فسيتم تطبيقه بأثر رجعي وفقا للتوقيت الذي اقر وهو شهر نيسان (أبريل) 2008؛ حيث تشير التقديرات إلى أن حجم الضريبة المطلوبة تصل بضعة ملايين، لا تملك بعض الصحف أي من هذه المبالغ.
ومثل هذه المبالغ ترهق الصحف وتضعف من أدائها، وفي أسوا السيناريوهات قد تضطر كثير من الصحف الى ضبط نفقاتها أو إغلاق أبوابها لعدم مقدرها على تسديد هذه المستحقات، ما يعني تصميم النواب على تحطيم عدد من المؤسسات الصحافية.
المجتمع الصحافي ما يزال يأمل أن يعود النواب عن قرارهم المتسرع، والمحكوم بنزعة رفض النقد وإن كان موضوعيا، وعلى النواب أن يتراجعوا عن قرارهم وان يبثوا رسائل للإعلاميين والصحافيين وشرائح المجتمع المختلفة تؤكد إيمانهم المطلق بالحوار الديمقراطي الحقيقي.