مكتبة الإسكندرية .. التحدي الثقافي المعاصر
د. ماهر عربيات
16-10-2018 10:31 AM
سيرتها تملأ المكان، هي أشبه ما يكون بقلعة تاريخية، وهي شاهدة على زمن يعود تاريخه إلى نحو ثلاثمئة عام قبل الميلاد، ليست الدوافع الثقافية وحدها ما تثير فضول الباحثين، ولكنها الدوافع الأركيولوجية أيضا (علم الآثار والفنون القديمة)... هذا الصرح الثقافي الكبير يصادف يوم السادس عشر من تشرين الأول / أكتوبر كل عام ذكرى إعادة إنشائه.
تاريخيا، يقال أن بطليموس الأول هو الذي شيد مكتبة الإسكندرية القديمة، في حين يرجح البعض أنها أنشئت في عهد الإسكندر الأكبر قبل ما يزيد عن ألفين وثلاثمئة عام، وقد تسيدت ميادين العلم والمعرفة لمدة ناهزت ستة قرون، وكانت تحتوي على نحو سبعمئة ألف كتاب، وأقدم المجلدات والمخطوطات على مر التاريخ.
في مكتبة الإسكندرية القديمة ظهرت ولادة مبادئ الهندسة التي لا زالت تدرس حتى يومنا هذا، ومن هذا المكان قيل أن الأرض تدور حول الشمس، قبل اكتشاف تلك الحقيقة بنحو ألف وثمانمئة عام، ومن هذا المكان أيضا أثبت الجغرافيون حقيقة كروية الأرض قبل ألف وسبعمئة عام من قيام الرحالة الإيطالي كولومبوس برحلته الشهيرة.
تعرضت المكتبة قديما لعدة حرائق، ففي عام 48 قبل الميلاد، أقدم يوليوس قيصر على حرق العشرات من السفن
الراسية على شواطئ البحر المتوسط بالقرب من مكتبة الإسكندرية، وامتدت النيران حينها إلى المكتبة وأحرقتها، ومنذ ذلك الحين كان الحلم في إعادة إحيائها أمرا يلازم عقول العلماء والمفكرين حول العالم.
عام 2002 تم إعادة بناء مكتبة الإسكندرية الجديدة، على أنقاض المكتبة القديمة، بكيفية أريد منها استعادة روح هذه الأخيرة، ضمن مشروع ضخم استغرق سبعة سنوات بالقرب من مكان المكتبة القديمة، وسرعان ما اكتسبت مكانة علمية عالمية عظيمة، فهي من أبرز وأضخم المكتبات على مستوى العالم، ومما زاد من شانها العدد الهائل للكتب التي احتوتها، ودورها كحلقة وصل بين الثقافات الشرقية والغربية.
وقد شيدت وفق أحدث التصميمات الهندسية، تقديرا واحتراما لمرحلة امتازت بتاريخ مثير من الإبداع الإنساني، فنحن أمام إرث تاريخي مذهل، امتدادا لمكتبة الإسكندرية القديمة، ورغم كل التجديد الذي عرفته المكتبة، إلا أن شأن القديمة ما زال يملأ المكان، إذ كانت أول موقع ضخم للمطالعة العامة في التاريخ، قبل أن ينال منها الحريق، وتطوى معها صفحة علماء ذلك العصر.
ولأن التاريخ وحده لا يكفي، دأبت مكتبة الإسكندرية بعد إحيائها من جديد، إلى محاولة الإستفادة من تقنيات العصر، ولهذا قامت بها العديد من المعاهد والمدارس والتجمعات العلمية، في محاولة لمواكبة العصر من خلال دراسات وأبحاث علمية.
تعتبر مكتبة الإسكندرية من أبرز وأشهر المكتبات في العالم، وقد عرفت بالمكتبة الملكية أوالمكتبة العظمى، وهي منارة عربية وعالمية للعلم والمعرفة، تحتوي على عدد هائل من الكتب يصل إلى نحو مليوني كتاب، ويشتمل هذا الصرح الثقافي على مساحة تتسع لثمانية ملايين كتاب، وعدد من الأركان الرئيسية من بينها ركن الطفل، وركن عميد الأدب العربي طه حسين، كما تحتوي على مجموعة من المتاحف، والمراكز البحثية المتخصصة، ومركز للمؤتمرات، إضافة إلى عدد من المعارض من ضمنها معرض روائع الخط العربي.
ومما يعزز من أهمية ومكانة المكتبة، أعداد الزائرين الذي يصل إلى نحو خمسة آلاف زائر من مصر ومختلف دول العالم، تستقبلهم المكتبة بشكل يومي، لتؤكد على دورها الطليعي في قيادة التحدي الثقافي المعاصر.