نحن نعاني من تضخم كبير في عدد الوزارات في الحكومة الاردنية وكذلك المؤسسات المستقلة التي أصبحت عبئاً على الدولة باتفاق عدد كبير من المراقبين، وذلك بسبب الترهل الكبير والتكلس المزمن الذي أصاب الجسم الإداري بكليته، بالاضافة إلى الاجتهادات الفردية المتسرعة والمتعجلة في بعض الاحيان بعيداً عن الدراسات المعمقة والمتأنية لحاجات المجتمع والدولة ضمن البعد الزمني والتغيرات الهائلة التي طرات علينا وعلى العالم، والغريب أن بعض الوزارات تظهر لمرة واحدة في بعض الحكومات ثم تختفي، فأذكر أنه تم استحداث وزارة للمرأة في احدى الحكومات السابقة، ولم يعد أحد يذكرها، ولا ندري ما هو عمل هذه الوزارة وما هي مهمتها وهل حظيت بتشكيل مؤسسي لها، و أين ذهب كادرها الإداري، فهذه الوزارة تعد مثلاً على التخبط وعدم الدقة في الاستحداث الإداري وتسمية بعض الوزارات، مما يجعلنا نقول أنه حان الوقت لوقفة مراجعة وتقويم لهذا الشأن بطريقة علمية هادئة بعيداً عن الاستعجال من جهة وبعيدا عن المصالح الفئوية والشللية التي ترسخت عبر الزمن بطريقة معيقة لتطوير الدولة والمجتمع من جهة اخرى.
ولو القينا نظرة فاحصة على ما تم مؤخراً مما أطلق عليه دمج بعض الوزارات و ترشيق الحكومة، لوجدناه بعيداً عن حقيقة التطوير الإداري ولا ينتمي لعالم الهيكلة ، وكذلك الدمج ليس حقيقياً، فعندما يتم تكليف وزير بمتابعة شؤون وزارتين معاً فهذا لا يعد دمجاً ولا هيكلة، لأن الوزارات بقيت كما هي بكادرها ونظامها ومؤسساتها وإنما طرأ تغيير على برنامج عمل الوزير فبدلاً من أن يكون بكامل وقته في إحدى الوزارات سوف يضطر إلى توزيع وقته بين وزارتين مما يؤدي إلى ضعف الاداء عما سبق و سوف يقلل من تفرغ الوزير لمؤسسة واحدة.
أعتقد أننا بحاجة إلى رؤية أخرى ومنهجية مختلفة في إعادة هيكلة الحكومة، تقوم على تصنيف مهمات الوزارات وإعادة رسم خريطة الانتاج والبناء والخدمة التي تشكل فلسفة الدولة في الاداء والتعامل مع مختلف مسارات الحياة على نحو شامل، وهنا يمكن الاشارة إلى بعض ملامح هذه الرؤية التي تعد مدخلا للحديث في المواضيع التي تستحق حواراً معمقاً وواسعاً من مختلف فئات المختصين وأهل الخبرة أولاً ومن جميع أطراف الطيف السياسي ثانياً لأن ذلك يمس كل مواطن ويمس مستقبلة ومستقبل الوطن كله.
ويمكن الاشارة الى اهم قطاعات الدولة المهمة على النحو التالي :-
القطاع الأول يتمثل بقطاع بناء الانسان وتاهيله وتربيته و تعليمه وتثقيفه وهذا يشمل التربية والتعليم والتعليم العالي والشباب والثقافة، وهذا كله يمكن أن يقوم به وزارة واحدة ضمن مؤسسات متعددة تعمل وفق رؤية واحدة وفلسفة واحدة ومنهجية متكاملة تقوم على توزيع الادوار وتكاملها.
ثانياً : القطاع الانتاجي ويشمل الزراعة والمياه والسياحة والصناعة والعمل والتشغيل والتدريب، وهذا كله يمكن أن يوكل إلى وزارة واحدة بمؤسسات مختلفة تنطلق من فلسفة واحدة ورؤية واحدة أيضاً بعيداً عن تعدد المرجعيات، واختلاف الرؤى والمنطلقات فيعملية بناء انتاج وطني قوي ومتكامل.
ثالثاً : قطاع الطاقة وهذا القطاع يشمل الكهرباء والبترول والغاز انتاجاً واستيراداً وتصديراً وتوزيعاً ويضاف اليها كل مصادر الطاقة الاخرى من صخر زيتي وشمس ورياح وحرارة،وهذا الشان الحيوي يمكن ان تتوكل به وزارة واحدة مستقلة.
رابعاً : قطاع النقل والطرق والسكك الحديدية والطيران والاشغال العامة والاسكان والاعمار، فهذا كله من اختصاص وزارة واحدة أيضاً تتولى ادارة هذا المرفق العظيم ضمن رؤية شمولية بعيدة النظر.
خامساً : قطاع الادارة البلدية والحكم المحلي وادارة البعد التنموي بكل اشكاله التي تشرف على إدارة التجمعات السكانية والخدمات التي تحتاجها وتقوم بتطويرها وتاهيل المجتمعات المحلية من اجل المشاركة في ادارة شؤونها بنفسها.
سادساً : قطاع الأمن والقوة والذي يشمل كل المؤسسات الأمنية التي تشرف على تأمين أمن المواطن والمجتمع والدولة على الصعيد الأمن الناعم والأمن الخشن.
وبناء على ما سبق فينبغي اعادة النظر في كل المؤسسات الأخرى الباقية ويتم الحاق كل مؤسسة بقطاعها ، وينبغي الغاء كل ما يطلق عليه هيئات مستقلة باستثناء هيئة واحدة فقط هي الهيئة المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية، وأمّا الإعلام فيستحسن تبعيته لقطاع بناء الانسان لأنه جزء من عملية التثقيف، ويمكن اخضاع هذه الرؤية لشيء من التطوير والاضافة والحذف من اجل الوصول الى هيكلة حقيقية.
الدستور