أقر جلالة الملك بالأخطاء والتحديات التي شابت مسيرة البلاد، وعزا إليها حالة فقدان الثقة بين المواطنين والحكومات، إلى جانب المناخ العام المشحون بالتشكيك والحط من قدرتنا دولة ومواطنين على النهوض ومعالجة مشكلاتنا وتصويب الأخطاء.
يمكن القول هنا أن خطاب العرش هذه المرة كان بمثابة تشخيص للوجع العام بين الأردنيين، ودعوة لعدم الاستسلام لخطاب سوداوي يسعى لتحطيم معنويات الأردنيين والتقليل من إنجازاتهم عبر مئة عام تقريبا من عمر الدولة الأردنية، وتصوير مشكلاتنا الكبيرة التي نعاني منها على أنها عجز كلي غير قابل للاصلاح، في تجاهل متعمد لتاريخ من معارك الوجود التي خاضتها الدولة الأردنية وتجاوزتها باقتدار.
ثمة قوى داخلية وخارجية تحاول جاهدة تكسير مجاديف الأردنيين، وشيطنة ماضيهم واغتيال مستقبلهم، وإظهار الأردن دولة بلا حيلة تتهيأ القوى العظمى لبلعها وتفتيتها، أو هي في أحسن الظروف دولة آيلة للسقوط بفعل أزماتها الداخلية.
الأردن ليس كيانا بالمعنى المعروف في منطقتنا، بل دولة كاملة الأركان، لديها نظام سياسي هو الأطول عمرا بين أنظمة المنطقة، ومستقبله غير مطروح على الطاولة، وأزماته الداخلية ليست جديدة، فلطالما عانى من شح الموارد وتنكر الأشقاء له ودفع ثمن أزمات خلقها الآخرون.
وطالما عانى من إدارات حكومية ارتكبت أخطاء وتساهلت مع الفساد وتراخت في تطبيق القانون، وتعثرت في تطبيق برامج التنمية. لكن بالرغم من هذه العثرات والمشكلات، راكمت الدولة بفعل همة شعبها إنجازات ماثلة للعيان في مجالات الصحة والتعليم والتنمية والخدمات وصانت كرامة الأردنيين وحقهم في الحرية والتعبير والأمن.
الأردنيون على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم يقولون كل ما يجول بخاطرهم ولا يوفرون مسؤولا مهما علت مرتبته، وأحزابهم ومنصاتهم الإعلامية تمارس نشاطها بحرية، وتحت قبة البرلمان وخارجها يحضر صوت المعارضة بلا حدود أحيانا.
من حق الأردنيين أن يطالبوا بالمزيد، وبسياسات منصفة في مختلف مجالات الحياة، فهذا ما ميز الأردنيين طوال مسيرتهم، ولو توقفوا عن ذلك لما حققوا من إنجازات لبلدهم.
الأردنييون شعب طموح يختلف عن كثير من شعوب المنطقة العربية، ففيما الموت ينتشر في أقطار عربية من حوله، لا يكف الأردني السؤال عن خدمات أفضل في الصحة والتعليم والسياحة، لأنه شعب تعود على العمل والإنجاز تحت أسوأ الظروف الإقليمية والعربية المحيطة، وكان يرى في قصة بلاده معجزة لا تعرف المستحيل.
علينا أن نحتفظ بهذه الروح وإلا لما عدنا ذلك الشعب الذي خبرناه طوال عقود، ذلك ما حملته مضامين خطاب الملك في مجلس الأمة أمس؛ تذكير الأردنيين بإنجازاتهم وتحدياتهم وقدراتهم على تخطيها بالعمل والتصميم والإرادة، بعيدا عن دعوات مشؤومة لا ترى في مسيرتنا غير العثرات والإخفاقات، وتحاول جاهدة صبغ مسيرتنا بالفشل.
الأردنيون خبروا الخسائر والهزائم والنكسات ولم تزدهم إلا تصميما على البقاء والبناء. تذكروا بعد أقل من عام على هزيمة حزيران 67 ذاق جيشنا وشعبنا طعم النصر على العدو الصهيوني، ولم تكن قواته قد تعافت بعد من جراح الهزيمة.
في سنوات الخراب العربي الأخيرة، سويت مدن عربية بالأرض، وهجر أكثر من عشرة ملايين عربي أوطانهم، وقضى مئات الألوف تحت الأنقاض، بينما في الأردن كنا نشيد المستشفيات الحديثة، والطرق والجسور، وتستقبل جامعاتنا ربع مليون طالب، ونفتتح المئات من دور رياض الأطفال، ونصطاف على شواطئ العقبة والبحر الميت بالآلاف، ونسجل المزيد من النجاحات في ميادين الابتكار والرياضة والمعرفة، ونقدم الشهداء دفاعا عن أمننا وحدودنا.
الغد