كيف يبدو المشهد السياسي الان بعد مرور سبع سنوات على انطلاق احتجاجات الشعوب العربية في الشارع..؟
الاجابة باختصار : ما تزال جولات الصراع في عالمنا العربي محتدمة، ولم يتمكن اي طرف حتى الآن من اشهار انتصاره: الشعوب ما تزال تناضل لاستعادة حريتها وكرامتها، والانظمة -على اختلاف صورها- لم تستسلم بعد.
بصورة اكثر تفصيلا، ما حصل في عالمنا العربي منذ خروج مارد التغيير من تونس كان (خريفا ) بامتياز، سقطت فيه كثير من الاوراق، وانكشفت فيه العديد من الملفات المسكوت عنها وتشكلت فيه -بوضوح- خطوط الصراع واتضحت «اوزان» كل الاطراف ، لكن الربيع العربي على وجه الحقيقة لم يسفر عن وجهه بعد، وربما ما زال امامنا فسحة من امل وخوف لرؤية هذا الربيع، لكن المؤكد انه قادم.. وحتى لو دفعتنا مشاعر الخوف والغضب والاحباط احيانا الى اعلان «نعيه» فان الحقيقة الماثلة امامنا بعد كل هذه المخاضات والالام والاصرار هي ان الانسان العربي خرج تماما من عصر الوصاية وكسر عصا الطاعة وتحرر من الخوف والاستبداد، او انه بمعنى آخر بدأ معركة «الهدم» لكن امامه مسيرة طويلة «للبناء» وهذه ستحتاج الى سنوات وسنوات..
لماذا اعتقد ذلك ..؟ ببساطة لان ما حدث كان بمثابة «انفجار التاريخ» العربي كله، وما دام أن العرب، كل العرب، شركاء في هذا التاريخ بما تعرض له من انسدادات في كافة المجالات الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، فإن لكل واحد منهم نصيبًا من هذا «الانفجار»، صحيح أن درجات الانفجار ستكون متفاوتة، كما ان صواعقه ستكون مختلفة، لكن الصحيح أن هذا الاختلاف سيكون فقط في الدرجة لا في النوع.
حين ندقق في الصورة اكثر سنجد ان ثمة معسكرين قد تشكلا: احدهما ما زال متمسكا بخيار التغيير مهما كان الثمن، والآخر ما زال مصرا على اجهاض هذا «الوافد» الغريب بأي ثمن، وما دام ان المواجهة مستمرة فان احدا لا يستطيع ان يراهن على نهاية عصر التحولات العربية، كما ان احدا لا يستطيع ان يستثني نفسه من امتداداتها وعواصفها وشراراتها التي تتطاير في كل مكان.
حين ندقق اكثر نجد ايضا ان هذه الاحتجاجات التي تم اجهاضها بصورة او بأخرى، تحولت الى حروب وصراعات، ليس فقط في إطار الدولة الواحدة وانما امتدت الى الملّة الواحدة ثم الى الدول الكبار التي أصبحت لاعبا مهماً في حلبة الصراع، ثم تحولت هذه الاحتجاجات الى «تنظيمات» مسلحة اختطفت لافتة «التغيير» وأصبحت عبئاً على الشعوب والأنظمة ايضاً.
نكتشف ايضا ان « روح « التغيير في الاجواء العربية – كلها - ما تزال ترفرف، صحيح ان ثمة اصابات طرأت على بعض «الاجنحة» وان ثمة «نقاطا» سجلها البعض ضد الطرف الاخر، لكن الصحيح ايضا ان «صفارة» النهاية لم تنطلق بعد لتحسم المباراة وترفع يد الفائز لكي تصفق له الجماهير.
باختصار، المشهد العربي ما زال في حالة « المخاضات» الكبرى ولم يصل الى عصر « الولادات» المكتملة، اما لماذا ؟
فلأن «الانفجار» الذي حدث في عالمنا العربي وما تبعه من ارتدادات كانت نتيجة طبيعية لتراكمات من الفشل والإحباط والخيبات التي دفعت المواطن العربي للبحث عن التغيير او – إن شئت الدقة – لهدم كل شيء قائم وبناء واقع جديد، هذه الأسباب والشروط الموضوعية التي أفرزت حالة الاحتجاج لم تتغير، بل ازدادت سوءاً، سواء في المجال السياسي حيث المزيد من القمع والاستبداد وتقييد الحريات وتعطل حركة الحياة السياسية او في المجال الاقتصادي حيث تراجع مستوى المعيشة وتصاعدت ارقام الفقر والبطالة وتضخمت المديونات، او في المجال الاجتماعي الذي تعرض لإصابات فادحة على صعيد قيم الناس واخلاقهم ومبادئهم ايضاً، وبالتالي فان امام الشعوب العربية رحلة طويلة للتغيير، وطريقها لن يكون بالتأكيد مفروشا بالورود.
الدستور