نقل وحدة مواجهة التّطرف .. دروس مُستفادة
د. نهلا المومني
14-10-2018 07:01 PM
قرّرت الحكومة قبل فترةٍ وجيزةٍ نقل وحدة مواجهة التطرف من وزارة الثقافة إلى رئاسة الوزراء، وذلك لتوسيع نطاق عملها وتفعيلها في مواجهة أفكار التطرف. كما قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة لوضع خطة وآلية واضحة لعمل الوحدة.
وإنسجاماً مع إتخاذ هذا الإجراء الهادف لمُكافحة التطرف من خلال نهجٍ وآلياتٍ واضحةٍ كما هو مأمول، لا بُدّ من أن نستفيد من دروس الماضي وأن لا نُكرّر الأخطاء المنهجيّة التي تمس جوهر دولة الحق القائمة على إحترام حقوق الإنسان.
أكبر الدروس التي لا بُدّ من الإستفادة والوقوف في محطّتها، هي الخُطة الوطنيّة لمُجابهة التطرف التي أعدّتها الحكومة في عام 2014م، وقامت صحيفة الغد بنشرها في شهر حزيران 2016م، هذه الخُطة التي يُفترض أنّها تخضع للمُراجعة والتّطوير منذ فترة ولا نعرف حتى الآن ما هو مصيرها، جاءت مُقدّمتها لتؤسس لمجالاتٍ أو أركانٍ ثلاثة؛ من شأن وجودها التّعامل مع ثقافة التطرف التي تسبق التطرف وجوداً وممارسة على حدّ تعبير الخطة، وهذه المجالات هي: ثقافة إسلاميّة صحيحة، وثقافة مجتمعيّة ديمقراطيّة ومدنيّة وتأصيل قيم التّسامح وحقوق الإنسان. وتعطي الإشارة إلى هذه المجالات في مقدمة الخُطة مؤشراً على أنّ هذه المفاهيم ستكون مُضمّنة في بنودها خاصّة ما يتعلق منها بإحترام حقوق الإنسان؛ إلاّ أنّ إستطلاع بُنود الخُطة يعكس تناقضاً واضحاً مع مرتكزات حقوق الإنسان ودولة الحق.
بدا ذلك واضحاً من خلال ما تضمّنته الخُطة من مخالفةٍ لمبادئ دستوريّة من أبرزها مبدأ الفصل بين السّلطات؛ إذ حدّدت الخطة للمُشرع النّصوص التي يجب أن تُعدّل في بعض التّشريعات ووضعت الخُطة التّعديل المُقترح؛ وهو أمر غير مألوف إطلاقاً في الخُطط الوطنيّة، كما أنّ هذا يُجافي المنطق القانونيّ ويفرض على إرادة المُشرّع ما تُمليه الحكومة؛ فعلى سبيل المثال نصت الخطة في حينه على ضرورة رفع عدد المؤسسين للجمعية في قانون الجمعيات إلى (50) شخصاً، وإضافة شرط وجود شهادة حسن سيرة وسلوك للعضو المُؤسس. وعلى صعيد الواقع العمليّ نصّت الخُطة على ضرورة زيادة مراقبة الجمعيات، وربط الخدمات المُقدّمة لها بتكريس السّلوك المُعتدل ومُحاربة التطرف.
كما تضمّنت الخُطة الإشارة إلى ضرورة الإستمرار في مراقبة المؤلفات والمُصنفات المُحرّضة على العنف. والقارئ لهذا البند يعتقد للوهلة الأولى بأنّ الرّقابة المُسبقة عل المؤلفات المطبوعة داخل الأردن تُشكّل قاعدةً عامّةً، في حين أنّ هذا البند يُخالف قانون المطبوعات والنّشر الذي ألغى الرّقابة المُسبقة ومنح صلاحية البت في مصير المُصنف ومدى مشروعيته للقضاء.
وعلى غير صعيد تضمّنت الخُطة في حينه الطلب من وزارة الإتصالات مُراقبة محتوى التّواصل الإجتماعيّ والسّيطرة على بعض المواقع. وقد نصّت الخُطة إلى ذلك دون إشتراط مراعاة الدستور الأردنيّ والقوانين النّافذة. كما أناطت الخُطة ذاتها بوزارة الإتصالات تقييد الوصول إلى المعلومات الحسّاسة؛ الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول جدوى وجود هذا البند التقييديّ في ظل وجود تشريعات وطنيّة تحكم الحق في الحصول على المعلومات وتُحدّد ماهية المعلومات السرية والمعلومات المُتاحة.
وفي السّياق ذاته عكست الخطة جهلاً أو تجاهلاً للتّشريعات الوطنيّة والدستور الأردنيّ عندما أشارت إلى مراعاة ردود الفعل الشعبيّة قبل منح الموافقات على إقامة أيّ أنشطة أو فعاليات فنيّة أو ترفيهيّة، قد يكون توقيت أيّ منها إستفزازيّاً وغير مناسب. في الوقت الذي نصّ فيه قانون الإجتماعات العامّة رقم (7) لسنة2004م وتعديلاته على أنّ يُكتفى بتقديم إشعارٍ للحاكم الإداريّ لتنفيذ الفعالية دون منحه صلاحية المنع الإستباقيّ لأيّة فعالية كانت.
بقي أن نقول أنّ الخُطط الوطنيّة تعكس السّياسة العامّة وفلسفة الدولة في التّعاطي مع القضايا ومع الحرّيات وحقوق الأفراد، وجزء من هذه السّياسة يتحوّل إلى برامج ومؤسسات وجزء آخر يُترجم في صورة تشريعات، فإذا كانت الصّورة ضبابيّة وفلسفة مُكافحة التطرف تقوم على تجاوز حقوق الإنسان وحرّياته والخروج عن المبادئ الدستورية والتّشريعات والمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن، فلا بُدّ للدولة بمكوناتها كافة من أن تعيد
النظر وأن تدرك إبتداء أن الفكر يُواجه قبل كلّ شيء بالفكر. وأن تنطلق في الوقت ذاته من مبدأ أساسي وهو أنّ مكافحة التطرف وبالتّالي الإرهاب يجب أن لا يسيرا إلى جانب حقوق الإنسان وإنما من خلالها، حقوق الإنسان التي تقود إلى العدالة الإجتماعيّة والحدّ من الفساد وبناء مجتمعٍ يقوم على الحقوق والواجبات دون النّظر إلى أيّة اعتباراتٍ أخرى.
الرأي