في أيّار/ مايو 2017، صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت، الترجمة العربية لكتاب "استجواب الرئيس - صدام"، لمؤلفه جون نيكسون، العميل في وكالة الاستخبارات المركزية، مستعرضاً يومياته في استجواب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
وجون نيكسون هو خبير في شؤون الشرق الأوسط وأمضى ثلاثة عشر عامًا لدى وكالة الاستخبارات المركزية كمحلل سياسي لشؤون العراق وإيران، ومحللاً في مقر الوكالة ببغداد.
لا يثبت ولا ينفي هذا المقال شيئا فيما يتعلق بالأحداث التي وردت في الترجمة العربية للكتاب، وبالطبع فإن المقال لا يتبنى وجهات النظر الواردة فيه. إننا نورد بعض الملاحظات التي أوردها المؤلف نفسه، دون نقص أو زيادة.
يبدأ الكاتب بالقول بأن الولايات المتحدة لو كانت تدرك مآلات إنهاء حكم صدام لما أنهته. وأن صدام كان دكتاتورا عديم الرحمة واتخذ قرارات اقحمت المنطقة في الفوضى وسفك الدماء، لكنه كان بريئا من التهم التي وجهت اليه عبر السنين.
يقول نيكسون، لقد شعرت لدى المباشرة في جلسات الاستجواب، أنني أعرف صداماً، ولكن الأسابيع التالية جعلتني أدرك أن الولايات المتحدة كانت قد اساءت فهم صدام وفهم دوره كعدو حازم للتيارات الراديكالية. ويؤكد أن الحكومة الأميركية لم تأخذ في اعتبارها أبداً ما سيؤول إليه الشرق الأوسط بغياب صدام، الإطاحة بصدام خلفت فراغاً في السلطة حول الخلافات الدينية في العراق إلى حمام دم طائفي.
ظل الشيعة لفترة من الزمن يغضون النظر عن فظائع الزرقاوي السني، آملين بنيل السلطة من خلال صناديق الاقتراع. ولكن، مع تزايد أعداد القتلى، تدخلت الميليشيات الشيعية في القتال.."بينما كان من ابرز اعضاء تنظيم داعش ضباط كبار من الجيش العراقي زودوه بخبرات عسكرية مميزة، فيما يرى الكاتب أن تأمل وجود صدام في السلطة يبدو مطمئنا مقارنة مع الاحداث والجهود والضحايا فضلا عن بلوغ كلفة اعادة اعمار العراق 3 الاف مليار دولار.
يناقش المؤلف ادعاء احد المصادر بأن صدام امر بتنفيذ اغتيال بنات بوش بالاضافة الى بوش الأب ويؤكد بأن تقارير الاستخبارات نفت هذا الادعاء ووصفته بانه غير صحيح ويدعو للسخرية، لكن الإدارة الامريكية سمحت بنشر ذلك لتعزيز صورة صدام الدكتاتور.
اعتبر صدام ان اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر ستحقق التقارب بين الولايات المتحدة والعراق، وأن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لحكومته العلمانية لمساعدتها في مكافحة التطرف السني.
كان صدام محقا في تشخيص الداء لكنه أخطأ كليّا في تقييم الخطة التالية من العلاج. كانت الولايات المتحدة قد اتخذت قرارا بأن أيام التسامح مع صدام قد انتهت وان الوقت قد حان للإطاحة به.
ينفي صدام في اجاباته على أسئلة نيكسون وجود اسلحة للدمار الشامل، وقد كان الإدعاء بوجودها أحد أهم أسباب الحرب. يقول صدام، لقد عثرتم على خائن قادكم الى مكان وجود صدام حسين، ألا يوجد خائن واحد يدلكم على وجود اسلحة الدمار الشامل !
ذهب صدام عميقا في تحليلاته، وكانت إجاباته تنبي عن خبرة عميقة في السياسات الأمريكية. لقد كان صدام موقناً أن الولايات المتحدة بحثت، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عن أعداء تقاتلهم لتبرير احتفاظها بجيوش كبيرة وصناعات عسكرية.
قال صدام لنيكسون في وداع الاخير انا لست أحد السياسيين الذين يتكلمون لمجرد الكلام، اريد منك أن تصغي لما أقوله لك وأن تتذكر تمسكك بالعدل والانصاف، فهما أنبل الصفات التي يملكها الإنسان.
يختتم المؤلف بالقول بأنه يكفي ان يتأمل المرء كم من أموال دافعي الضرائب كانت تبددها أجهزة الاستخبارات خصوصا اذا تجاهل الرئيس كل ذلك العمل المكلف في حال عدم انسجامه مع وجهات نظره السياسية.
كان صدام في معتقله مواضبا على الصلوات الخمس وقارئا نهماً. قال لمستجوبيه أن كتابه المفضّل هو الشيخ والبحر لأرنست هيمنغواي، ولطالما اشتكى من حرمانه من قلم وأوراق ليكتب خواطره. كان متعاونا بحذر مع الاستجواب، وبدا يتوق للجلسات لأنها تمنحه فرصة واسعة للحديث.
هل تسرّع الأمريكان في الموافقة على إعدامه؟ يتساءل نيكسون، لم تكن الولايات المتحدة في أحسن الأحوال مضطرة لمجابهة وضع صعب في المرحلة التي تلت صدام، يستنتج الكاتب.
ربما يقرأ الناس غير ما قرأت، ربما يروا غير ما رأيت، لكن الثابت الوحيد أن محتويات الكتاب جديرة بالقراءة، وجديرة بالتحليل. لكن السؤال الأهم هنا، ما نفع نشره الآن، ما نفع نشره وقت حدوث وقائعه؟ ماالذي سيمنع حربا استعدت آلاتها جيدا، هل سيمنع تحليل عميل للإستخبارات المركزية تلقيم المدافع وتذخير الطائرات. لكنه في كل الأحوال عمل جدير بالقراءة.