مشهدٌ نيابيٌ قاتمٌ، وردة فعل صحفية لا تقل سواداً عن موقف النواب الحالي؛ فالمؤسستان الديمقراطيتان الأبرز، تناستا دورهما الحقيقي من خلال ممارسات أقل ما يمكن وصفها بالثأرية والمزاجية تجاه بعضهما بعضاً؛ فالنواب تجاه بلاط صاحبة الجلالة، والصحافة عبر إغفالها لدورها التنويري في حق إطلاع الرأي العام على أداء نوابهم تحت القبة ونقل الوقائع كما هي دون تجميل أو محاباة لنائب على حساب آخر.
ولنتفق بداية؛ أن نقد أداء النائب ليس خطاً أحمر، وأن ممثل الشعب المنتخب شخصية عامة قد يتعرض لسهام النقد ذاتها التي قد يتعرض لها المسؤولون في السلطة التنفيذية لكن بعيداً عن التجريح والأهواء الشخصية فهذه من أبجديات وأدبيات العمل الصحفي.
فالنواب أشخاص غير منزّهين عن الخطأ قد يصيبون أو يخطئون ومن الظلم أن تتحمل الصحافة وحدها عبء دعم صندوق رعاية الثقافة من خلال قانون يجبّرها دفع 5% في الوقت الذي تحصل فيه نقابة الصحفيين على نسبة 1% من الإيرادات الإعلانية بشق الأنفس.
نصيب الأسد من هذه الحصة ستتحمله صحيفة يومية واحدة؛ إذ أن بقية الصحف اليومية والأسبوعية تعاني وضعاً اقتصادياً لا تحسد عليه، وملاءة مالية محدودة، لن تكفي معها هذه النسبة المقرة لدعم إقامة احتفالية ثقافية واحدة.
كنا نتمنى هذه "الانتفاضة" من قبل قيادات السلطة الرابعة، ومعهم مجلس نقابة الصحفيين في قضية لها مساسٌ مباشرٌ بالحريات الصحفية ورفع سقف حرية الرأي والتعبير لأن ذلك يقع في صلب أعمال المهنة ورسالتها المقدسة، وإن كنا لا نغفل أهمية الجوانب المالية الأخرى حتى تتكامل العملية الصحفية والإعلامية بكل مكنوناتها وأركانها كي تؤدي الصحافة مهامها الوطنية بكل عزم واقتدار.
المشهد الحالي وضع الصحافة والبرلمان في حلبة مصارعة، وكلٌ منهما فرد عضلاته لكسر الآخر, على قضية كان يمكن حلها بالحوار قبل أن نصل إلى هذا الانحدار الديمقراطي وبخاصة أن المسألة بإطارها التشريعي لم تنتهِ بعد, إذ أن هناك قناة تشريعية لم يصلها بعد مشروع قانون رعاية الثقافة, ولعل من المفيد ان نستذكر دور مجلس الأعيان قبل فترة ليست طويلة عندما أحبط إصرار النواب على تضمين نص في قانون المطبوعات والنشر يبيح حبس الصحفي.
مجلس النواب الحالي لن يسقط بفعل مقاطعة نشر أخباره وأنشطته بسبب قرار لا تعود منافعه أو مضاره المالية على الوسط الصحفي, بيد أن هناك آراءً متباينة في الوسط نفسه حول مشروعية هذا القانون في حالة إقراره وبقرار مقاطعة أخبار مجلس النواب, وكان حرياً بنوابنا ان يفكروا في إشراك قطاعات اقتصادية دسمة حتى تكون المسؤولية تشاركية لا على قطاع بعينه دون سواه.
ما يجري من صراعات وخلافات بين مؤسساتنا الوطنية يلقي بظلال غير حسنه على سمعة بلادنا الديمقراطية التي بدأنا نسيء إليها من حيث لا ندري؛ لأسباب مردها أحقاد ومواقف شخصية بحتة لا تخدم مصلحة الوطن العليا.
نعيد ونؤكد أن فلسفة المراجعة الشاملة التي أكد عليها جلالة الملك في خطاب عشريته الأولى بات أمراً ملحاً؛ فتسارع الأحداث وحمَّى الصراعات بات المشهد الرئيس الذي يَنظم العلاقة بين بعض مؤسساتنا؛ ضارباً بعضهم عرض الحائط بمصالح الوطن ومؤسساته، فلسان كل واحد منهم يقول "اللهم نفسي".