لما كان زمننا هذا زمن النقلات الكبرى، والانعطافات الحادة للتاريخ، نجد أنفسنا أمام اسئلة عن المستقبل. ولكن بلا اجابة وبلا أفق وبلا حل.
ولعلّ قطاع التعليم هو القطاع الاستراتيجي للأمم، فالتعليم يصنع الحياة ويحميها ويفسرها ويدفعها إلى الامام، وهو المعني برعاية بذور الوطن، وحصاد الغد وتقديم الإجابات، وتحمّل المسؤوليات.
فماذا على برامج التعليم أن تفعل؟
وماذا على المعلمين أن يقدموا؟
وما هي منظومة القيم التي على النشء تلقيها واستيعابها وتمثلها وممارستها؟.
ففي أزمنة السخط السياسي والاجتماعي ودوامة العنف وللاستقرار، وتفتت المجتمعات، وانكشافها في مواجهة بعضها البعض بحكم ثورة الاتصالات وثورة المعلومات، بالإضافة الى حركات التطرف والعنصرية، ماذا على المدرسة أن تفعل؟ وهل يمكن أن تسهم في الحد من آثار هذا التداعي المتّصل، وهذا التنافر الحاصل، والأجيال التي يتفتح وعيها على الخراب؟
إنّ الاسئلة موجعة، ولكن مواجهتها أفضل من تجاهلها، وطرحها يعني استشعاراً بحجم الخطر الذي يجابه القائمين على التعليم في بلادنا. إنّ على التربويين أن يقودوا المسيرة الحضارية للامة، ويتصدوا لمحاولات التفتيت أو التهميش لحماية الاجيال من الاغتراب و التطرف، معلين راية التفكير النقدي، ممجدين العقل وحب المعرفة، وارتياد الآفاق، وهذا يعني مغادرة أساليب التلقين والحفظ المقيدة للعقل، وربط المعرفة بالحياة والأحداث الجارية، وبناء العقل على مبادئ الاختلاف، والحوار، والنسبية، والسببية، والتغير الدائم، والعقل المستقبلي، والتأمل الحر، وقيم التعاون والتكامل.
فتاريخ الامم منذ فجر التاريخ، تحركه الافكار، وتحميه العقول أكثر بكثير مما تفعله الاسلحة، فالتعليم هو صانع التاريخ، وضامن المستقبل، وسياج حماية الوطن الأول، من خلال انتاج جيل نقدي قادر على الحضور والمشاركة، والبناء الحضاري، دون تفريط في وظيفة التربية التقليدية المتمثلة في إيجاد مناعة ذاتية لدى الأفراد ضد الذوبان في العولمة، والاغتراب الحضاري.