مواعيد عرقوب .. والازمات المتلاحقة
فيصل تايه
13-10-2018 10:27 PM
لا يصور حالنا مع اصحاب القرار والمسؤولين ومواعيدهم "السخية" إلاَّ حديث عرقوب مع أخيه الذي ظل يعده عاماً بعد عام حتى أدركه الموت قبل أن تدركه معونة أخيه ، فصار موقفه مثلاً يضرب في عدم الوفاء بالموعد فيقال مواعيد عرقوب ، ويلاحظ أن الدلالة الصوتية والمعنوية بالاسم كافية بأن توحي بخيبة الرجاء وعدم الاطمئنان إلى مواعيد صاحبه ، ويؤسفنا في هذا البلد أن نقول أن مواعيد حكاماتنا المتعاقبة القديمة منها والحديثة في إنعاش الوضع الاقتصادي المأزوم تشبه مواعيد عرقوب ، مع الفارق أن الاردن أعظم وأكبر من أن يموت أو يدركه ما أدرك أخا عرقوب بعد المماطلة الطويلة.
انتظرنا على موعد من حكومتنا الرشيدة المائة يوم لتأتي بتعديل حكومي هش يتحدى ارادة الشارع وما كان أغنانا عن المواعيد وعن الانتظار الذي خلق حالة من التواكل وعدم الاعتماد على النفس ، كنا ننتظر الحديث عن المنجزات وعن المعالجات الفورية لضنك العيش باعتبار ان الفقر هو مشكلتنا الأساسية، وهو المسؤول عن كل ما يحدث على وجه هذه الأرض الميمونة ارض الحشد والرباط من فقر .
لا ولن يقوم اقتصاد اي بلد حر على المواعيد والأحلام ، ولن يقبل ان يعيش على التسول والصدقات ، وباطن الأرض خير لها من ظاهرها إذا كانت ستبني وجودها على المساعدات والديون المشروطة وغير المشروطة لا سيما إذا كانت تمتلك من الإمكانات البشرية والمادية ما نملكه من ثروات دائمة تحتاج للبحث عنها ، لهي قادرة على تغيير خارطة الحياة الاجتماعية في أقل عدد من السنين .
نحن الاردنيون مطالبون اليوم بأن نعرف حقيقة تعويق حركة التغيير ، وإفساد كل محاولة للإصلاح الاقتصادي والمعيشي ، وعلينا بدلاً من أن نتسول الآخرين أن نصلح أمورنا ونتسامح ونتصالح مع انفسنا ، ونطالب كل من بقيت له بقية من عقل وضمير أن يرأف بالوطن والمواطنين وأن نشعر أننا جميعاً مستهدفون وأن الوطن أمانة في أعناقنا ، وأن أطفاله ونساءه وشيوخه يحلمون بأمن واستقرار دائم ، وبرغيف خبز ودواء وحياة فضلى ، ويستحيل أن يتوفر شيء من ذلك في مناخ الأزمات والتوترات والوعود وتسكين الالام وابقاء الجروح على عفنها ، ولن تكون هناك قوة في العالم قادرة على تغيير أوضاع بلد من خارجه ، صغيراً كان أم كبيراً وأبناؤه فقط هم القادرون على أن يغيروا ما بأنفسهم فيتغير بالمقابل واقع حالهم الداخلي .
الوضع الاقتصادي سيظل يدخلنا في متاهة تلو متاهة ، وينعكس بالإنهاك على كافة الأصعدة ، الشؤون الاخرى وحدها لا تكفي لإحداث التقدّم الشامل والحقيقي ، والشأن الاجتماعي يدخل في اطار معقد لأن الفقر هو الوحيد الذي ينمو بإصرار مخيف ، والشأن الثقافي لم يتحسن خطوة لانه هو الاخر بحكم تاثيرات الاقتصاد يؤثر تاثيراً واضحا على الحال الثقافي للفقراء بتخلف ممنهج ليس له مثيل ، ولا نهوض على كافة المجالات دون النهوض التنموي أولاً ، لكن بالمقابل فإن التحديات الاقتصادية هي الاساس التراجع الذي لا يمكن تجاوزها عملياً بدون تطور على مختلف الصعد .
ثم ماذا نتوقع ؟ معدلات بطالة ما زالت مرتفعة ، واكتظاظ سكاني ما زال مستمر وما زالت تتداخل به الازمات الاقليمية التي اثرت وما زالت تؤثر بشكل مباشر على خدمات الدولة في الصحة والتعليم والأساسيات كالمياه والكهرباء والمواصلات وغيرها ، وانخفاض إنتاجية، وتعليم وفرص عمل ، وتوسع قاعدة الفساد والاستغلال ، ووعي مخاصم للإبداع ، وبيروقراطية الجهلاء المسيطرين على المرافق الحيوية ، ورجعية بالواسطة والمحسوبية ، وفئوية ومحاصصة تمس الوعي العام ، وانفلات مجنون للاسعار ، وقطاع خاص هش ، وبؤس مس ضمائر الشرفاء ، وخصخصة غير مدروسة تخدم الأقوياء ، وضياع للعدل الاجتماعي ..
وأخيراً .. سيدي دولة الرئيس .. اعذرني على هذا الخطاب الانفعالي فذلك ما يشعر به كل مواطن فلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .
صدق الله العظيم