التذاكي الإسرائيلي وتداعيات الأزمة السورية
د.حسام العتوم
13-10-2018 11:39 AM
لم تكن (إسرائيل) بريئة؛ بعصاباتها التاريخية الصهيونية مثل (هاشومير) 1909، و(البالماخ) 1936، و(الهاجانا) 1941، و(أرجون 1936)، و(شتيرن 1940)، ولا بكيانها الذي اجتاح أرض فلسطين من بوابة (التقسيم) عبر عصبة الأمم المتحدة 1947، ولا بدولتها الاحتلالية والعنصرية منذ عام 1948، ولا عبر تغليبها للغة العبرية على العربية، ولا من خلال بحثها التوراتي السرابي وعبر (الكتاب المقدس) عن (بيت همقدش – معبد أو هيكل سليمان)، ولا بصفقة القرن الحديثة هذا العام 2018 غير المقنعة للأغلبية الساحقة لدول وشعوب العالم والتي من شأنها لو مررت أن تلغي مستقبل فلسطين، والقدس الشريف، وحق العودة، وحق الأسير، وإقامة دولة فلسطين كاملة السيادة.
والدكتور أمين محمود في كتابه (الاتحاد السوفييتي وتأسيس دولة إسرائيل) كشف باستغراب عن خطاب لغروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفييتي أمام المتحدة وهو يتحدث عن الحقوق (المشروعة للشعب اليهودي في فلسطين)، وتحدث في المقابل يفغيني بريماكوف المفكر السياسي واللوجستي في كتابه (الشرق الأوسط على المسرح وخلف الكواليس، ص257) عن تحويل منطقة الشرق الأوسط لجزيرة اشتراكية واعتبار ذلك هدفاً لتشجيع هجرة اليهود بداية إلى (إسرائيل)، ولا زال الروس حتى الآن ومنهم السوفييت يعتبرون الهجرة اليهودية مساراً ديمقراطياً. ونقرأ لإسرائيل شاحاك في كتابه (أسرار مكشوفة – سياسات إسرائيل النووية والخارجية صفحة (13) قوله بأن: الخطط الإسرائيلية بعيدة المدى يقررها جنرالات الجيش، وكبار رجال الاستخبارات، وكبار المسؤولين ونادراً ما ترسم الحكومة ورئيس الوزراء سياسة الدولة). وثمة اتفاق على السياسة الخارجية بين جميع الأحزاب، من (اليسار) أو (اليمين)، أكبر مما يفترضه المراقبون من خارج إسرائيل. وأفرام تاميره، أحد ثلاثة أعضاء في (لجنة التخطيط) وتقدم لمشورة لنتنياهو في المسائل الاستراتيجية (ص13 من المرجع السابق هنا).
وبناء على ما ذكرته أعلاه فأن التحرش الإسرائيلي بالأزمة السورية منذ اندلاعها 2010/2011، وتحولها وربيعها العربي إلى دموية كان حاضراً وقوياً حتى رغم إنكار تل أبيب ذلك. وإسرائيل التي رُحّلت إلى وسطنا نحن الغرب وتم تركيبها هنا وفقاً لمشروع (ثيودور هرتسل) الصحفي والمسرحي في مدينة بازل في سويسرا عام 1897 لا تستطيع أن تكون مسالمة وسط محيط عربي هائج خاصة بعد ربيعه عام 2010، وكونها دولة احتلال واستعمار واستيطان، ومغتصبة علناً وفي وضح النهار لحقوق العرب ولعمقهم الديني، وكتاب (مكان تحت الشمس) لبنيامين نتنياهو الملفق، والذي لا يستند إلى حقائق تاريخية صادقة يربط بين فلسطين وسورية بطريقة خبيثة مؤذية تناسب المزاج الإسرائيلي فقط، حيث يقول (ص152)، (كذلك ادعى النظام السوري أن (أرض إسرائيل) جزء لا يتجزأ من سوريا الكبرى.
ويقابل هذه المعادلة مراقبة إسرائيلية لتطور الأحداث في سوريا، وفي العراق وكردستان، وفي ليبيا، وفي اليمن،
وفي لبنان، وفي غير مكان في عمق العرب.
وحتى تنظيم القاعدة الإرهابي منذ أحداث أفغانستان عام 1979 وبعد ذلك، وانشطاراته إلى عصابات (داعش) و(النصرة) وغيرهم المجرمة كانوا على اتصال مع (إسرائيل) وتحت رقابتها حتى يومنا هذا، وهو الأمر الذي يثبت أنها يوماً لم تكن بريئة، وتقود أعتى المؤسسات القوية في الولايات المتحدة الأمريكية مثل (البنتاغون) و(الكونغرس)، و(الايباك).
وكتاب القاعدة – التنظيم السري لمؤلفه عبدالباري عطوان (صفحة 16): يقول: (.... وتلعب المخابرات الإسرائيلية دوراً كبيراً في عمليات التضليل حول انتهاء القاعدة، من خلال مؤسسة تسمّى (حاصبارا) أسست لهذا الغرض ورصدت ملايين الدولارات لتمويلها، وتأمين الجهاز الفني الخبير الذي يعمل فيها، وعلاقة وثيقة بين عصابتي (داعش)، و(النصرة) المجرمتين كشف النقاب عنها وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشي يعالون وعن سبب عدم استهداف التنظيمات الإرهابية هذه وغيرها لإسرائيل، وكيف تقدم لهم المساعدات العسكرية والطبية واللوجستية.
ولروسيا ومنذ العهد السوفييتي موقف من إسرائيل وهو في مد وجزر انسجاماً مع المصلحة القومية العليا لموسكو، فرغم الاعتراف أولاً بإسرائيل عبر الأمم المتحدة عام 1947، إلا أنها قطعت علاقاتها معها عام 1953 بعد انفجار أصاب مقر البعثة الدبلوماسية السوفييتية في تل أبيب، وبعد القناعة بعدم جدوى الاستماع للسياسة الخارجية الإسرائيلية. وتوتر لاحق شاب العلاقات السوفييتية الإسرائيلية عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر تكرر عام 1967 بعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية. وكان لإسرائيل مصالح متدرجة مع موسكو بهدف تعزيز وجود إسرائيل وتحصينها واستقطاب اليهود صوبها، ودعمها الدائم بالسلاح والتكنولوجيا والمال، واللوجستيا. واتفاقية اقتصادية منذ عام 1994، ومذكرة تفاهم قضائية، وإطلاق للقمرين الصناعيين الإسرائيلي (تيخسات 2) عام 1998، و(آروس I) عام 2000، والقمرين الصناعيين الإسرائيليين (أموس 2) عام 2003 و(أروس بي 1) عام 2006.
وحسب نائب رئيس الوزراء الروسي أندريه دفوركوفيتش فإن حجم التبادل التجاري بين موسكو وتل أبيب وصل إلى (3) مليارات دولار والرقم في ازدياد طردي. ومن يبحث في الشركات الروسية العملاقة سيجد حضوراً اكيداً ليهود إسرائيل الأثرياء مثل سبير بنك، غز بروم، وNCCP ميناء نوفورسيسك التجاري، وشركة (Nornckel) لإنتاج النيكل والبلاتين والنحاس، وشركة روسيا لإنتاج الألماس، وشركة ياندكس ولنا أمثلة قريبة في شخصيات يهودية ثرية مثل بيريزوفسكي، وخداروفسكي، ورومان (براموفيتش)، وقائمة طويلة أخرى من (18) مليارديراً أمثال (اوسمانوف، وفريدمان، وميخلسوف وذكروا في كتاب وولتر لاكوير) تحت عنوان (البوتينية/ ص85). ويتقدم أثرياء روسيا من اليهود الآن الملياردير (روزينبيغرغ) باني جسر إقليم القرم/الكريم البالغ طوله (12 كيلومتراً)، وهو الذي أزعج أوكرانيا الغربية بعد مشروع عودة القرم حديثاً.
وتراهن إسرائيل في المقابل على الحضور اليهودي وسط قصر (الكرملين) الرئاسي، وكتاب نيكولاي زينكوفيج الموسوعة البوتينية يشير لوجود أعداد كبيرة من المسؤولين اليهود وسط جهاز الكرملين. لكن الصهيونية وإن كانت متواجدة في روسيا على شكل معابد دينية أيضاً إلا أنها ليست بقوة حضورها في امريكا. وروسيا سياسياً ليست امريكا بطبيعة الحال، وعلاقة روسيا بإسرائيل ليس عبر حضور يهودها المليوني في تل أبيب فقط، فهي أي إسرائيل بالنسبة لموسكو بؤرة هامة وسط الحرب الباردة رغم العلاقة المثلية بينها وبين أمريكا وبالعكس. وفي الوقت الذي تطالب فيه روسيا إسرائيل علناً العودة إلى حدود الرابع من حزيران، والسماح ببناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية كاملة السيادة، نجد أن أمريكا راوغت طويلاً بالنسبة للقضية الفلسطينية، ودفعت بأوراقها إلى السراب، ثم عادت قبل يومين لتعلن قناعتها بأهمية حل الدولتين وهو المستغرب من سلوكها السياسي المتذبذب المناور.
وفي الزمن الذي تطالب فيه روسيا بضرورة إزالة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، نجد أمريكا توسع الاحتلال نفسه عبر صفقتها المشبوهة للعصر التي رفضها العالم. وجهود جلالة الملك عبدالله الثاني صوب عدالة القضية الفلسطينية مقدر عالياً، وخطابات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة مقدرة أيضاً. ولا يصح إلا الصحيح، وسيف الحق والعدل يجب أن يخرج من غمده، وستبقى فلسطين عربية في إطار حدود عام 1967، وساستها وساسة العرب يقبلون بـ(إسرائيل) سياسياً على حدودها فقط دون توسع، وينادون بمبادرتهم العادلة للسلام التي أطلق عنانها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في بيروت عام 2002.
وهكذا تمكنت (إسرائيل) بتاريخ (17 أيلول) المنصرم من التذاكي بواسطة إسقاط الطائرة العسكرية الروسية (EL-20) وعلى متنها (15 خبيراً) عسكرياً روسياً، محولة الأمر إلى أزمة حقيقية مبطنة بين موسكو وتل أبيب رغم الاعتذار السريع من قبل نتنياهو. ولم تصب الحادثة في مصلحة إسرائيل إلا آنياً، وعملت على تحصين سماء سوريا روسياً بالسلاح الصاروخي الدفاعي (C300)، وهو الذي صرحت تل أبيب بشأنه بأنها سوف تعمل على تحييده والتنسيق مع موسكو ومواصلة طلعاتها الجوية في الوقت ذاته. وهنا لا يمكننا المقارنة بين حادثة (EL 20) الجديدة، والسوخوي (24) التي أسقطتها تركيا عام 2015، فلكل حادثة ظروفها، ففي الأولى تبناها التيار الأمريكي وسط الجيش التركي وليس أوردوغان بكل تأكيد، والثانية جرت بأوامر الجيش الإسرائيلي مباشرة. والحادثة التركية الأولى غيرت مسار الحرب والسلام، والثانية الإسرائيلية وضعت النقاط على الحروف من قبل موسكو، وأثبتت روسيا في كلتا الحالتين بأنها موجودة، وباقية بقوة وسط العرب والشرق الأوسط وفقاً لمصالحها القومية العليا، وبأنها تعمل بدعوة واتفاقات وليس بطريقة الكابوي الأمريكية المعهودة وقادرة على حماية وجودها العسكري المساعد لسورية.
و(إسرائيل) بالمناسبة كيان على شكل دولة لا تنام بسبب ممارستها لكل ما هو غير شرعي من احتلال، واستيطان، وأسر، وإحباط لحقوق العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون، واعتداء وقتل، وتشريد، وتطاول على المسالمين منهم قبل المناضلين، وأحداث غزة المنكوبة أصلاً خير شاهد، وتكرار صورة نازية إسرائيل وسط العرب، والشرق شاهد آخر وخطورتها غير المسؤولة مع روسيا أشبهت مقولة الكاتب الروسي في القرنين (18/19) (المصيبة من العقل).
ومثلما هي (إسرائيل) توسعية، هي كذلك إيران، وفي الوقت الذي لا نتفق مع خروجهما عن حدودهما الجغرافية تحت غطاء الأيدولوجيا، تعتبر (إسرائيل) العرب وإيران عدوان لها، بينما تُلغى صفة العدوانية عن ذاتها للآخر، وتريد من العرب أي (إسرائيل) معاداة إيران. والعرب في حيرة من أمرهم بسبب تفرقهم ورفضهم للإصغاء لنداءات ثورتهم العربية الكبرى التي تدعوهم للوحدة، والقوة الواحدة اقتصادياً وعسكرياً، واجتماعياً، وثقافياً.
وبكل الأحوال تعمل (إسرائيل) على رصد إيران من وسط طهران، وعلى الحدود في سوريا وفي لبنان، وجاهزة لضرب أهداف استراتيجية لها في العمق السوري واللبناني وحتى في إيران إن لزم الأمر، فهي لا تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي هي تملكه، وتحرض أمريكا والعرب على إيران، بينما لا تستطيع طلب ذلك من روسيا، في وقت تستطيع فيه إحباط القضية الفلسطينية في المحافل الإقليمية والدولية كما فعلت تماماً في قمة هلسنكي هذا العام 2018.
وفي الختام فإن ما بإمكاني قوله هنا هو بأن (إسرائيل) لا تستطيع أن تلعب مجدداً بالنار الروسية، وموسكو ستبقى حاضرة في الشأن السوري تحديداً وحتى النهاية، وهي التي قدمت إليه بدعوة، ولسورية علاقة استراتيجية اقتصادية وسياسية وعسكرية أيضاً مع إيران رغم اختراق هلالها الشيعي لسيادة العرب. وهذا شأن آخر، ولا مخرج لنا نحن العرب وحتى يحترمنا العجم سوى الوحدة، ثم الوحدة، ثم الوحدة، والله من وراء القصد.