صمت الجغرافيا الأردنيّة مستمر
د. زياد الشخانبة
11-10-2018 05:35 PM
ليس من حُسن الطالع أن يتصدّر حديث المحللين مقولة "جغرافيّة الدولة الأردنيّة نقمةٌ وليست نعمة"، في إشارة إلى أن الموقع الجغرافيّ هو أحد الأسباب الرئيسة للأوضاع الاقتصادية الراهنة، فهذا استنتاجٌ غير دقيق، يَهربون بهِ من حقيقة أن هذه الجغرافيا هي الأهمُّ إقليمياً وأنّ عدم تفعيلها سياسيّاً هو ما حوّلها لأن تكون عبئاً بدلاً مِن قطف الثمار في ظل أوضاع اقتصاديّة صعبة بات الأردن يواجهها وحيداً .
نعم هناك مؤثرات جيوسياسية وقوى كبرى تتعامل مع الاردن وفقاً للاقتصاد السياسي والمنح مقابل المواقف، وقد سلّمنا لهذا على اعتباره قدرنا وموقعنا، في وقتٍ نملك فيه دون غيرنا بالمنطقة، أوراقاً ضاغطة هي مصدر قوّة تمنحنا مساحة واسعة من الحركة والتمرّد بعض الشيء، وهو تمرّد يكون في إطارٍ دبلوماسيّ ليس إلّا؛ كي نتقي حدة ردة الفعل التي لا نريدها .
إلا أننا ورغم كل المحن والأزمات لم نُخرج من تحت الطاولة أياً من هذه الأوراق، وبقيت سياستنا تراوح مكانها وضمن دائرة التحالفات القديمة التي رفعت في وجهنا وبلا هوادة، أوراقها وساومتنا في كل شأنٍ وكنّا المنفذ في كثيرٍ من الأوقات دون مقابل، وأضحى لسان حالُنا الشكوى في نفقٍ مُظلم لم نسعَ لِأن نبحث عن مَخرجٍ نرى فيه النور، ولم نُقدم على فتحِ قنواتٍ اقتصاديّة جديدة خوفاً من مطالبات تمس مواقفنا السياسيّة الشيء الذي لا ترغبه السياسة الأردنيّة المعروف عنها بالثبات وعدم المراوغة، ما أنتج خسائراً على مختلف الصعد، وهنا يُطرح السؤال التالي :
إذا كان الصراع الاقتصادي باتَ يتحكمُ في العلاقات الدوليّة أكثر من السياسة، لماذا لم يكن لدينا مرونة سياسيّة مقابل مكاسب اقتصادية، بمعنى، ما ضير أن نخسر بعض العلاقات الدوليّة أو نضعها على طاولة النقاش مقابل فتح علاقات اقتصاديّة جديدة ونحن نشاهد على مرأى أعيوننا الدول الضاغطة وهي تتمتع بعلاقات اقتصاديّة مع دول مختلفة معها سياسياً، أحلالٌ عليهم حرامٌ علينا ونحن نقبع على أهم المواقع الجغرافيّة في هذا الشرق.
نعم أن تفعيل الموقع الجغرافيّ لأجل مكاسبٍ اقتصاديّة يُغضب بعض الدول، وهذا يمكن تجاوزه من خلال بناء جبهة داخليّة متينة نرى أنها تصدّعت خلال السنوات الأخيرة بسبب السياسات الفاشلة للحكومات، هذه الجبهة ومتانتها واصطفافها يعزز موقف الدولة خارجياً، فإذا ما جاء الضغط في جانب يقابله الضغط بورقة في جانبٍ آخر وصده شعبياً أو التلويح بورقة أمنيّة أو ورقة لجوء أو غيرها الكثير. فالسياسة لا تعرف العواطف وخير المستفيد منها هو المتحرك وليس مَن يتصنّم بها لعقود.
كُلّنا نعلم أن السوقَ العراقيّ أفضل الأسواق القريبة لنا، إلا أن الدولة الاردنيّة لم تستفد من فتح معبر الكرامة لأسبابٍ قيل أنّها أمنيّة بالداخل العراقيّ، لكنها بالأساس سياسيّة لها علاقة بدولٍ تتحكّم بصنع القرار العراقيّ وتريد أن تسيطر اقتصادياً على السوق العراقيّ، لكنَّ هذهِ الدول لا تُمانع تسهيل التبادل التجاريّ بينَ العراق والاردن إذا ما كان هُناك تقاربٌ أردنيّ معها، وهو تقارب قد يرفضه بعض الجيران والأصدقاء الذين عودناهم على معاملتنا بالقطعة، الشيء الذي لم يَعد يُطاق، وكان لزاماً ومنذ البداية التعامل مع هذه المساومات بمواقف واضحة ترفض أن تكون العلاقات الاقتصادية الأردنيّة محلّ الرهان أو أن توضع في دائرة الخلافات السياسيّة والإقليميّة التي ليس الأردن طرفاً فيها.
ما سبق ينطبق على معبر نصيب مع سوريا وقُرب افتتاحه، فالجميع يتحدّث عن الاهميّة التجاريّة الأردنيّة والإقليميّة التي يحظى هذا المعبر، الشيء الذي يتطلّب مرونة سياسيّة ورفض أي مساومة كانت من قبل أي جهة يمكن أن تعيق إعادة التبادل التجاريّ مع سوريا، ورفض التلويح بأي ورقة كانت ضد الأردن في هذا الصدد؛ فالأوضاع الاقتصاديّة تضيق ذرعاً وتحتّم أن يرفع الأردن أوراقه وصوته في وجه أي قوى سواء الصديقة أم غيرها ممن تحاول إفشال الاستفادة من معبر نصيب كما أفشلت التبادل التجاري عبر معبر الكرامة والذي يشهدُ حركة تجاريّة ضعيفة جداً .
أخيراً، نتفق أن القوى المسيطرة عالمياً ترسم أدواراً للدول الضعيفة، لكن يجب أن نتفق أيضاً أن التمرّد على هذا الدور ليس صعباً إذا ما رفعت الدول المستهدفة غطاء الرأس وتحررت من الخوف التاريخيّ متكئةً على قطاع عام قوي ومصالحة مع شعوبها .