لم تعد معان تتصدر الأخبار كما كانت منذ التسعينيات. ومروراً بـ"الربيع العربي"، وبلغة الصحافة، يمكن القول إنه لا أخبار من معان. علماً بأن على مدى ثلاثين عاماً تقريباً، وفي فترات مختلفة، تميزت معان بالاحتجاجات والتظاهرات والاحتكاك الأمني أحياناً، وتوترت العلاقة بين أهل المدينة والسلطات المحلية، وبين معان والمركز.
كذلك، شكّلت معان في مرحلة معينة، بؤرة للنشاط السلفي، والسلفي الجهادي بشكل خاص، الذي حذا بمركز الدراسات الاستراتيجية أن يصدر تقريره في العام 2003 بعنوان "أزمة مفتوحة" وذلك نتيجة لتكرار الأحداث والعنف والتوتر، وكانت عصر اهتمام اعلامي وأكاديمي وسياسي عالمي.
الذي لفت انتباهي لهذه المسألة، كان مؤشرات معان باستطلاعات الرأي، التي بدأت تُظهر مؤشرات أكثر إيجابية من السابق. فعلى سبيل المثال، بينما نلاحظ تراجعاُ في الثقة بالمؤسسات العامة في أغلب المحافظات، نجدها مرتفعة في معان، وهكذا في بعض المؤشرات الأخرى.
الاستنتاجات التالية أولية، وتحتاج للتمعن بدراستها، وأهمها:
أولاً: سابقاً، كان بعض ممثلي مؤسسات المجتمع المحلي مُسيسون أكثر من اللازم، وبخاصة في علاقتهم مع الحكومة المركزية، ما أدى الى ضعف تقديم الخدمات من جانب، وتوتر العلاقة مع الأجهزة المدنية، والأمنية بالمحافظة. يبدو أن التحوّل حصل في طبيعة النخبة المحلية، إذ أصبحت أقل تسيساً، وأكثر اهتماماً بالشؤون الداخلية للمدينة.
ثانياً: نتيجة لوجود حالات من الخارجة على القانون، ولأسباب مختلفة، فقد اضطرت الأجهزة الأمنية، وفي معرض محاولتها تطبيق القانون، أن تلجأ للحلول الأمنية، التي كانت أحياناً تزيد من حالات التوتر، بل تمتد أكثر للعلاقة مع بعض الأهالي أو السكان المحليين. من الواضح أن هناك تغييراً إيجابياً طرأ على هذه العلاقة، يمكن تفسيره بالتحولات التي حصلت في الأجهزة من تعاملها مع المواطنين، الذي انعكس بدوره، بشكل إيجابي، على نظرة المواطنين لهذه الأجهزة.
ثالثاً: لا بد من أن يكون هناك تحول طرأ على اتجاهات المواطنين، ليس فقط نتيجة للتحولات التي أشرنا إليها، وإنما أيضاً من المعاناة والانعكاسات السلبية على الحياة اليومية لهم، وأصبح الاستقرار شيئا مرغوبا ومطلوبا.
رابعاً: لقد أدركت الحكومات المتعاقبة أن أحد أسباب الموقف السلبي منها، وأحد أسباب التوتر، هو ضعف الخدمات والبنية التحتية الضرورية، فأولت الحكومة اهتماماً خاصاً من خلال المشاريع لتنمية المحافظات من خلال وزارة التخطيط، وغيرها من الوزارات الخدمية.
خامساً: شهدت المدينة أيضاً عدداً من الاستثمارات، التي قام بها القطاع الخاص بالمدينة، وبخاصة المشاريع الكبرى، مثل الطاقة البديلة، وغيرها من المشاريع التي وفرت فرص عمل جيدة لأبناء المدينة، وساهمت في نمو النشاط الاقتصادي بالمدينة.
لقد عانت مدينة معان من التوتر والتهميش، وتراجع الظروف الاقتصادية، ولكن حصل هناك تحوّل مهم في هذه المدينة أعاد الأمور الى سياقاتها الطبيعية، الذي بدأ ينعكس على شيوع حالة من الاستقرار، وانعكاس ذلك على بعض المؤشرات. هذا لا يعني أن معان خالية من المشكلات، أو أصبحت مدينة مثالية. ما حصل في مدينة معان يجب أن يدرس لتعميمه على باقي المحافظات، التي ما زالت تعاني من ظروف اقتصادية صعبة ومن البطالة والفقر، التي ساهمت في شيوع حالات الاحتجاج والتمرد على المركز.
الغد