هناك تحسّس شديد في علاقات المواطنين، مع الجهات الحكومية، والسبب في ذلك يعود الى مبدأ الجباية، الذي يجعل المواطن يشعر انه مستهدف، وضحية، وان كل ما يهم الجهات الحكومية هو جمع المال، بأي طريقة كانت، وتحت اي ظرف.
هذا هو واقع الحال، وهذا احد اسباب الغضب الاجتماعي، والا فلتقل لنا الحكومات، عن ممارساتها خارج هذا السياق، ولنضرب امثلة كثيرة، تبدأ مثلا بمخالفات السير، التي تنهمر بسبب واحيانا بدون سبب، ولنسأل الجهات الرسمية، عن نسبة حالات التنبيه الشفوي، او حتى الكتابي، لمن يخالف قانون السير، دون ربط ذلك بدفع المال، ولو من باب منح المواطن فرصة من اجل ان يتوقف، او يخجل، او يراجع سلوكياته خلال القيادة، والامر ذاته ينطبق على مخالفات الصحة، اذ ان كل مخالفة مرتبطة بغرامة مالية، ولتقل لنا الجهات الرسمية، نسبة الانذارات او التحذيرات او التنبيهات الشفوية او المكتوبة التي يمكن توجيهها الى من يخالفون القانون، على الاقل لاول مرة، في كل مخالفة، بدلا من ربط المخالفة مباشرة بجني المال.
الامثلة في ذلك كثيرة، ولاتعد ولاتحصى، حتى ان الغرامات المالية، من البلديات او ضريبة الدخل، او غيرها من جهات تعمل في هذا الاطار، باتت مشكلة بحد ذاتها، واصبحت غالبية المواطنين اسرى للغرامات التي تتضاعف بسبب عدم القدرة على السداد، وبسبب العجز عن الوفاء بالالتزامات في ظل وضع اقتصادي صعب جدا، تشتد فيه الحملات لجمع المال، بدلا من ان تخف، وكأن المقصود ارهاق الناس فوق ارهاقهم، وبهذا الشكل تتحول الغالبية العظمى من المواطنين الى مجرد مطلوبين على خلفية قضايا مالية، او تأتيهم الجهات الرسمية، لتحصل على ما في جيوبهم من مال.
لا احد يدافع عمن يخالف السير، مثلا، او قوانين الصحة، او ترخيص المحال التجارية، او السيارات، او يتأخر في دفع الضريبة او ضريبة المسقفات او غير ذلك، لكن الاخطر، ان تجتمع كل هذه الحالات مع غيرها، لتصير العلاقة بين الدولة والناس، علاقة مالية فقط، بينما يمكن ادارة هذه العلاقة بطريقة مختلفة، تنفذ القانون، وتقول للمواطن ايضا، ان بالامكان منحه فرصة دوما، وعدم تحويله الى مجرد ضحية عليها ان تدفع المال، خصوصا، في حال الاعسار الذي نراه قد بات عاما، عند غالبية المواطنين، وغالبية القطاعات التجارية والصناعية وغيرها، وعلينا ان نلاحظ انه كلما اشتدت سياسات التحصيل المالي، وباتت بلا رأفة، اشتدت مخالفات المواطنين في كل القطاعات، ولو من باب الثأر.
هذا يسبب غضبا اجتماعيا كبيرا، وربما نفورا وحقدا، لان مضمون ادارة العلاقة بهذا الشكل، مضمون سيء للغاية، في ظل حياة يقول المواطنون فيها، انهم يدفعون فقط، ولايأخذون ما يستحقون، مثلما يشعرون في حالات كثيرة، ان هناك حالة تصيد، فالشرطي مع تقدير تعبه وجهده وواجباته، يبحث عن اي خطأ ليكتب مخالفته، بدلا من جعل العلاقة معتدلة، فيخالف فيما يستحق، وينبه دون مخالفة فيما هو اقل اهمية، وهذه القاعدة يمكن ان تطبق على كل سياسات التحصيل المالي، التي تحولت معا، ومجتمعة الى سياسات ارهاق شديدة، سيؤدي اجتماعها الى خسارة الكل، ما تبقى من حيوية قليلة في حياة الناس، او الاقتصاد الاردني.
هذا ملف يستحق المتابعة، من جانب الحكومة الحالية، فإذاكانت غير قادرة على انعاش الوضع الاقتصادي وفك الانجماد، فعلى الاقل تلطيف حياة الناس، بدلا من شعورهم ان هناك من يحمل سيفا ويلاحقهم بكل الوسائل، على اسباب مهمة، وغير مهمة، وسط متعة نراها في عيون كل من يحصلون المال، حين يصيدون صيدا، فيجعلونه يدفع، او يتركون الغرامات لتتنزل عليه، وكأننا بتنا اعداء بعضنا البعض، فيما ردود فعل المواطنين تتسم بالسخط، او الامتناع عن الدفع، وفي احسن الحالات الدفع والدعاء على من كان السبب في كل هذا.
الدستور