عنوان الدراسة التي أعلن عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي «الأوضاع المالية للجامعات الحكومية الواقع والحلول» وهي دراسة على درجة عالية من الأهمية لأنها اعتمدت على معلومات ومسوحات وبيانات من الجامعات نفسها، وتم إعدادها بطريقة معرفية أعمق وأدق، وخرجت بتوصيات سيتم تحويلها بعد اقرارها إلى سياسات تنفذ عبر خطط برامجية وفق جدول زمني محدد، طبقا لما صرح به رئيس المجلس الدكتور مصطفى الحمارنة.
ظهرت الدراسة أن أهم التحديات التي تواجهها تلك الجامعات تكمن في غياب الاستقلالية، والمديونية ( 137) مليون دينار، وضعف استقطاف المزيد من الطلبة الوافدين، وعدم القدرة على التحول إلى مفهوم الجامعة المنتجة، ولو كنت حاضرا ذلك الاجتماع الذي انعقد في الجامعة الأردنية لعرض الدراسة، لوضعت كل تلك الأسباب والتحديات تحت عنوان»غياب الحوكمة»!
قبل عدة سنوات تعرفت على المبادئ التي تقوم عيلها وثيقة «المغناكارتا» التي أنشئت بمبادرة من جامعة بولونيا الايطالية، والتي تضم حوالي 800 جامعة أوروبية، وتتيح الفرصة لجامعات من خارج القارة الانضمام لها، باعتبارها وثيقة أخلاقية تهدف إلى تكريس قيم التعليم الجامعي والبحث العلمي، ودور الجامعات في تحقيق التقدم العلمي والثقافي والمعرفي، ولكن الهدف الأسمى يتعلق بضمان استقلالية الجامعات في تحديد دورها ووسائلها في خدمة المجتمع الإنساني. استقلال الجامعات هو الأساس، ولكن حوكمة الجامعات هي الطريقة التي تحقق تلك الغاية، ولذلك أقمنا منذ أربع سنوات مجلسا لحوكمة الجامعات العربية يتخذ من عمان مقرا له، بهدف تعزيز تلك المفاهيم التي تحول الجامعات إلى مؤسسات حقيقية بالمعنيين القانوني والمؤسسي، ووضع المجلس دليلا أعده خبراء متخصصون لكي تعتمده الجامعات في إدارة العملية الأكاديمية على أسس المشاركة والشفافية والمساءلة.
الجامعات سواء كانت حكومية أو أهلية تقف على مسافة واحدة من معظم التحديات التي أشارت إليها الدراسة، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها تدرك طبيعة تلك التحديات، وكيفية التغلب عليها، وتعمل على حث الجامعات لتطوير أدائها وتحسين مخرجاتها، وتعتمد معايير عالمية لتقييمها، من أهمها شهادة الجودة التي تلزم حتما الجامعات الحاصلة عليها بالمحافظة على الانجاز وتعظيمه، وفي ذلك ما يحقق قدرا من الارتقاء بالقطاع الأكاديمي الأردني. الدراسة حللت جانبا من المشكلة، وفي دليل حوكمة الجامعات العربية ما يقودنا إلى حلول عملية، ولكني أجدد الدعوة مرة أخرى إلى ضرورة عقد مؤتمر علمي وطني يناقش واقع التعليم العالي في بلدنا، ويفضي إلى إستراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار قضايا مثل الجامعة المنتجة، والفضاء المعرفي، ومناهج التدريس، واستقطاب الطلبة الوافدين، والانفتاح على المستوى العالمي، والاستفادة من التجارب المثلى، وغير ذلك من المحاور التي تزيد من قدرة هذا القطاع على تهيئة القوى البشرية المدربة والمؤهلة، وتوظيف البحث العلمي لخدمة قضايا التنمية، وعندها يتحول القطاع كله إلى قطاع إنتاجي، يصب حصاده في مداخيل الدولة
الراي