لماذا تحملون المسؤولية لثقافتنا الاجتماعية ؟
د. هايل ودعان الدعجة
08-10-2018 10:58 AM
طالب احدهم او بعضهم رئيس وزراء اردني اسبق ، بضرورة اتخاذ اجراءات معينة بهدف تغيير تقليد او بعض التقاليد والانماط الاجتماعية السائدة في حقبة زمنية ماضية ، والتي تخص المكون العشائري تحديدا ، الضاربة جذوره في تاريخ الدولة الاردنية . لتأتي اجابة الرئيس .. دع ذلك واتركه للايام فانها كفيلة باحداث هذا التغيير .
مراعيا بذلك الثقافة الاجتماعية والخصوصية الاردنية في تعامله مع احد اهم العناصر والمكونات المجتمعية . ومراهنا في الوقت نفسه على امكانية وقابلية حدوث ذلك على التطور والتغيير الذي سيطرأ في هذا المجال مع عامل الزمن ، وذلك بغض النظر عن مدى او درجة ذلك او الفترة الزمنية التي يستغرقها . بدليل تغيير العديد من المظاهر والتقاليد المجتمعية ، وربما انقراض بعضها .
ما يؤكد مواكبة هذه الثقافة للتطورات والمستجدات العصرية والحديثة في كافة المجالات الحياتية ، وان كان ذلك يتم بشكل بطيء لتقبل الوافد الجديد على المنظومة المجتمعية ، والا كان سيواجه مقاومة شديدة فيما لو كانت حركته سريعة او راديكالية ، تستهدف الانقلاب على اي من هذه العناصر او المكونات التي تنطوي على خصوصية ثقافية او اجتماعية اردنية .
ولنا في امتلاك الاردن للادوات العصرية والاساليب الحديثة التي ساهمت في تحقيقه للعديد من الانجازات والنجاحات الحضارية والعلمية والفنية والتقنية والتعليمية والصحية والادارية والاقتصادية المختلفة وسط بيئة امنة مستقرة ، بصورة قادته الى ان يحتل مكانة متقدمة في المنطقة ، وتجعل منه نموذجا يحتذى في التطور والتقدم ، مثالا يؤشر الى التفاعل المجتمعي الايجابي واندماج كافة العناصر الاجتماعية تدريجيا مع حركة التطور والتغيير التي فرضت نفسها على المشهد الوطني في حقبة السبعينات والثمانينات على سبيل المثال .
رافق ذلك وجود ما يسمى بالضوابط والمعايير القيمية والاخلاقية التي كان يحرص الجميع ، خاصة من كانوا في مواقع المسؤولية ، على احترامها وعدم تجاوزها او الاعتداء عليها ، متخذين منها مرجعية وطنية واداة رقابية ذاتية على تصرفاتهم وممارساتهم الوظيفية . فاذا بنا امام نماذج وطنية في التعاطي المسؤول مع العمل العام ، بعيدا عن الشخصنة واستغلال المنصب او الوظيفة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة على حساب مصالح الوطن .
وهي النماذج التي نفتقر لمثلها في هذه الايام ، الا ما ندر . عندما اخذ القطاع العام يشهد جنوحا خطيرا عن المسار الصحيح في ظل حالة الانفلات الاخلاقي والقيمي ، التي ضربت الكثير من مؤسسات الدولة ، لتجعل من الفساد المسؤول الاول والاخير عن الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن الاردني .
في تأكيد على اننا نعاني ازمة سلوكية وتربوية واخلاقية ، انعكست سلبيا على تعاطينا مع الوظيفة الرسمية في مختلف المواقع والمناصب والدرجات .
وان من يحاول الالتفاف على هذه الحقيقة ، ممثلة بهذه البيئة السلبية المسؤولة مباشرة عن المشاكل والصعوبات التي يعاني منها مجتمعنا ، عبر تحميل هذه المسؤولية الى موروثنا وثقافتنا الاجتماعية ، ومحاولته العبث ببعض مكونات منظومتنا المجتمعية وثوابتنا الوطنية بحجة التغيير ، فان عليه التوقف عن ذلك ، ولينظر الى اين ذهب بعض حملة لواء التغيير ( غير البريء ) بالوطن ، والى اين قادوه بعد ان تجردوا من الضوابط والاخلاق الوطنية ، المستمدة من بيئتنا العروبية والدينية والتاريخية ، التي يحاولون الان الانقلاب عليها .
مع انهم احوج ما يكون اليها ، علها تستر عوراتهم الوظيفية ، التي انكشفت وجعلت الجميع يطالب بملاحقتهم والقصاص منهم انتصارا وانتقاما وانقاذا للوطن من تداعيات فسادهم على منظومتنا الامنية والاقتصادية .
وان على كل من يحاول ممارسة لعبة الالتفاف على الواقع ، التوقف ايضا عند محطة الانجازات والمكتسبات الوطنية ، التي خلدت اسم الاردن في سجل النجاحات الحضارية ، لمعرفة الى اي الفترات الزمنية والتاريخية تنتمي هذه الايجابيات.
ويقارن ذلك مع الانحدار الحاد الذي يشهده مسارنا التنموي والاقتصادي ، عندما تحولت المناصب الهامة في الدولة الاردنية الى ساحة مستباحة من قبل الدخلاء على منظومتنا القيمية والاخلاقية ، واخذوا يعيثوا فيها الفساد ، ومن بوابة الواسطة والمحسوبية والشللية تحديدا ، وعلى حساب الكفاءات واصحاب الاختصاصات والمؤهلات العلمية والعملية . وبما يشبه الاصرار على البقاء في دائرة التعيينات الضيقة في مواقع المسؤولية ، لنختزل الوطن ..
كل الوطن بكفاءاته ورجالاته واصحاب الاختصاصات المتعددة فيه ، في هذه الدائرة الضيقة المسؤولة عن تراجع الاداء العام والادارة العامة ، بوصفها احدى اهم الثغرات والعيوب في جدار الوطن ، التي ينفذ منها الفساد ليضرب في شتى مفاصل الدولة الاردنية .
تعالوا وقارنوا بين رجالات وقيادات الوطن الادارية بالامس ، ممن حظوا بشرف تحمل امانة المسؤولية في ادارة شؤون الدولة عبر المناصب التي تقلدوها ، مستندين في ذلك الى مرجعية قيمية وتربوية وسلوكية وطنية ، وبين بعض القيادات الادارية اليوم ، التي قادتها الواسطة والمحسوبية الى مواقع المسؤولية ، لتعيث بالمنصب العام فسادا ، وتزيد من ازمات الوطن ومشاكله ، بعد ان تجردت من اي مرجعية اخلاقية وتربوية .. فتعاملت مع المنصب على انه فرصة ، قد لا تتكرر ، ويجب استغلالها وتوظيفها فر خدمة مصالحها الخاصة .
فهل ما زلنا نصر على تحميل مسؤولية الاخفاق والفشل في قيادة مسيرتنا التنموية والاقتصادية الى بر الامان الى موروثنا التاريخي والثقافي والاجتماعي ، حتى ونحن نزج بالدخلاء على هذا الموروث الى ساحة العمل العام ؟ .
ولماذا لا نحترم الخصوصية الاردنية التي يعود لها الفضل في تعزيز الامن والاستقرار في بلدنا ، وتجاوز الكثير من التحديات والظروف الصعبة التي واجهته عبر مسيرته الطويلة ؟.