حين تتبدل الأدوار يصبح الحديث عبثيّا وتملأ الإشاعة فراغ الاعلام الرسمي
فتح رضوان
04-10-2018 10:35 PM
لماذا يشبه الحديث عن الفساد في الفضائيات حديث وزير صحة سابق بأن غذاءنا ودواءنا فاسد - حين تتبدل الأدوار يصبح الحديث عبثيّا وتملأ الإشاعة فراغ الاعلام الرسمي
حين يتحدث مسؤول كواعظ وواعظ كمسؤول ونائب كمتسول امام من هم في موقع المساءلة أمامه نكون أمام ما قد يصلح أن نسميه مشهدا سرياليا يفوق الواقع ويدخل في خيالات تجاوز واقع قانوني ودستوري.
حين يستعرض ضيوف الفضائيات وبعضهم نواب على رأس المسؤولية ويستطيعون عمل شيء بطرق دستورية دون الجعجعة التي تذكرنا بقول وزير صحة سابق بأن دواءنا وغذاءنا فاسد فوقعت صناعتنا وسياحتنا في محنة تصريح وزير كان في موقع المسؤولية ثم تصرف كواعظ وأقام علينا الدنيا من حيث لا يدري حيث كلفنا حينها ثمنا باهظا بحسن نية.
حين لا يملك من هو في موقع المسؤولية من الأدلة ما يستطيع ان يذهب به الى المحكمة مدافعا عن وطنه فالأحرى ان يسكت، لماذا - دعونا نسلط الضوء على هذه الوقائع والحيثيات ونبني عليها:
- عندما يعلن رئيس الوزراء ان الغاية من قانون الضريبة الجديد هو تحصيل مائة وثمانون مليون دينار من دافعي الضرائب ومائة مليون فقط من التهرب الضريبي ثم يطالعنا بعض ضيوف الفضائيات أن التهرب الضريبي في قضية الدخان من عشرة الى خمسة عشر مليار دينار ويعلن اخرون انها لا شيء مع قضايا اخرى بقيت حبيسة الأدراج - ثم تتصرف الحكومة إزاء هذه المعلومات المفزعة على طريقة العرس عند الجيران.
- ماذا سيكون انطباع المواطن والمستثمر والبنك الدولي نفسه، الا تعني المعلومة إن صحت ان فاسد واحد قادر على دفع ما نريده من قانون الضريبة الجديد من طرف جيبه.
- ما اثر هذه الأخبار على الناس : معنويات وثقة وإنتاج وضياع طاقة وجهد في تتبع أخبار لا أحد يتبرع بنفيها او تأكيدها من المسؤولين.
- إفساح المجال للإشاعة بل وإيهام البعض أن البلد انهارت او تكاد مع المعرفة العميقة لدى كل مثقفي البلد ان المشكلة سياسية حتى لو لبست ألف غطاء مالي واقتصادي فالبنك الدولي يعرف كل مسارات الأموال حول العالم ويعرف كيف يقدم النصيحة للحكومة من دون المساس بالفقراء بل ويعرف أين تستقر أموال الفاسدين.
نحن لا نهون من أثر الفساد ولا نقول أن الفاسدين بريئون مما تقدم الحكومة من تنازلات ولكن الأثر الأعمق هو لضبابية الأفق السياسي في الإقليم وتواضع الفعل الوطني أمام التحديات وهذا ما يجعل الأموال تهرب قبل أي سبب آخر.
اذا والحال كذلك هناك فراغ إعلامي تملؤه التحليلات ممن هم في كثير من الأحيان في موقع المسؤلية ويستطيعون إنتاج الحلول غير المستندة على جيوب الناس الفارغة ولا يغرنكم زحمة السيارات الفارهة في عمان فمعظمها مرهون للبنوك.
من حق الصحافة ان تكتب ومن حق ضيوف الفضائيات ان يعبروا عن وجهة نظرهم ولكن على الحكومة ان ترد بما يقنع الناس عندها لن يكتب ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي كلمة قيل ان يتأكد من صحتها بوثيقة ولن يتكلم ضيف فضائية بمعلومة دون ان تكون لديه مستندات.
ثم أليس على النائب الذي يصرح للصحافة ان حل مجلس النواب ضرورة ان يبرهن نقاء سريرته بان يقدم استقالته.
- ثم ما أثر كل ذلك على سمعة البلد وسعي الحكومة الحثيث لجلب السياحة والاستثمار الخارجي وكل ذلك مما نسمعه او نقرأه على شريط الأخبار.
الصحافة سلطة رابعة وتضخيمها للأخبار احيانا يأتي من نقص الرواية الرسمية او ضعفها.
الموضوع في غاية البساطة فقد صرح الاستاذ محمد الوكيل بانه تم رصد ثلاثين إشاعة خلال شهر أيلول 2018 فهل من الصعوبة ان ترصد إشاعة اليوم وتدرسها الأجهزة المعنية وتحللها وتعرف مصدرها ثم تعريها في صباح اليوم التالي امام القاصي والداني.
ألن يكون لسياسة رد الفعل الصحيح مع كل خبر وقعه لدى المواطن الغلبان.
وفي الخلاصة نريد أمرين أن يلبس كل واحد عباءته فلا يتصرف المسؤول كواعظ ولا النائب كوسيط لتمرير قرارات الحكومة رغم كل استعراض المناقشات للقوانين المرفوضة شعبيا ولا المواطن كمسؤول ( مع استدراك ان الطبيعة لا تعرف الفراغ).
ننوه أنه اصبح لدينا ممارسة موجودة في رصد وتوثيق الأحداث الحقيقية واعتادت بعض المؤسسات وبالذات الأمنية منها على الاستجابة السريعة لهذا الرصد وهذا شيء إيجابي جدا ويجب تطويره بحيث يصبح لدينا مؤسسات ومراكز بحث وتقصي تهتم بالظواهر والأحداث الموثقة وتتابعها مع الجهات ذات العلاقة - الأهم ان لا يهيمن أحد أو أي مؤسسة على هذه الجهات الراصدة والمتتبعة للشأن الداخلي حتى تحافظ على حيادها ومصداقيتها وتكون عينا لأجهزة الدولة والشعب الأردني على كل ما يجري في الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي نفس الوقت تتبع أساليب التقصي الإحصائية الصحيحة ، هذا المنحى ودعمه رسميا وشعبيا سيعزز المصداقية ويدعم الحقيقة وطمأنينة المجتمع وستكون له آثار طيبة في مختلف جوانب حياتنا اليومية.
وفي الخلاصة فقد ضجرنا من مسلسل مقارعة الفساد منذ العام 1989 وأظن أن الإصلاح السياسي ليس له أفق وجدول زمني يمكن الركون إليه وبالتالي يصبح دولة الرئيس في هذه الحالة وحين يحدد سقفا زمنيا لبلوغ الحكومات البرلمانية - هذا التحديد للسقف الزمني للوصول الى الحكومات البرلمانية هو إشاعة لا تستند الى نموذج منطقي مبني على واقع الحال حزبيا وجماهيريا في الأردن وبالتالي ننصح دولة الرئيس ان يستبدل حماسه للإصلاح السياسي ببرنامج عمل مقنع ومبني على حقائق ومعطيات وما هو ممكن وفي كل مرة سنقول هذا تحدي يجب ان يوضع أمام كل بالغ عاقل في الأردن ليعطي بقدر ما يستطيع وعلى الحكومة البحث في كيفية إقناع المواطن بأن يكون إيجابيا ومبادرا - هنا نستطيع أن نقول أن الحكومة قادرة على الفعل أما إعلان السقوف الزمنية للإصلاح السياسي فربما يكون إشاعة رسمية ومهربا ليس أكثر أمام شعب يشعر بالغضب والضجر وأصبحنا بكل أسف أضحوكة الصالونات السياسية في عمان بقصر ذاكرتنا وركضنا وراء كل إثارة جديدة من قضايا فساد وغيرها ونسيان ما قبل ذلك وهذه بالضبط طريقة الأم لإشغال ابنها الرضيع عن البكاء بتنويع أساليب الإلهاء ولكن علينا أن نتذكر أن الشعب ليس طفلا رضيعا وأن ذاكرته تتسع لمجلدات من الذكريات والأجيال لا تزال تذكر تفاصيل حدثت قبل آلاف السنين.