"الخطوط الحمراء" .. أردنياً وإسرائيلياً!
د. محمد أبو رمان
16-06-2009 05:21 AM
قطع خطاب نتنياهو كل قول، ووضع حدّاً للرهان على محصلة الضغوط الأميركية على حكومته، عندما حدد "الخطوط الحمراء"؛ لا عودة للاجئين "داخل حدود إسرائيل"، القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، كيان فلسطيني مسخ منزوع السلاح، اعتراف فلسطيني صريح واضح بأنّ "إسرائيل دولة قومية لليهود"، عدم إزالة المستوطنات الحالية في الضفة الغربية.
المفارقة أنّ اليمين الإسرائيلي يبدي غضباً من خطاب نتنياهو، فيما كان أقطاب "الوسط" (!) الكاذب في إسرائيل يصفقون للاءات نتنياهو التي لم تُبقِ "إطاراً تفاوضيا" للحل النهائي، إذ أخرج قضية اللاجئين والقدس والمستوطنات والسيادة من المعادلة!
ثمة تداعيات واسعة لخطاب نتنياهو، لكن هنالك "وضع خاص" في الأردن، يجعل مستوى الاهتمام به أعلى بكثير، ويضع مضمونه في صلب الأمن الوطني الأردني، بخاصة ما يتعلّق في سياقين، الأول "الخيار الأردني" في الضفة الغربية، والثاني "وضع اللاجئين الفلسطينيين" هنا في الأردن.
في السياق الأول، فإنّ "الكيان المسخ" أو (خيال المآتة) الفلسطيني، الذي يتحدث عنه نتنياهو، يناقض المصالح الأمنية الأردنية العليا، ويعزز من الضغوط باتجاه علاقة "غير سليمة" مع الضفة الغربية. والمشكلة الحقيقية أنّ هذا السيناريو سيبدو مع المسار الحالي، على المدى المتوسط، الخيار الوحيد، سواء نجحت التسوية (وفق رؤية نتنياهو) أو فشلت في ظل التشرذم الفلسطيني وتفكك حركة فتح.
المخفي أخطر من المُعلن، وما بين السطور أقبح مما هو مكتوب بصراحة في خطاب نتنياهو، فالإعلان بأنّ إسرائيل "دولة قومية لليهود" هو مقدمة لترحيل عدد من فلسطينيي الـ48، ومبادلتهم مع بعض "المستوطنات العشوائية" في الضفة الغربية، مع بقاء "مستوطنات" داخلية. بمعنى أنّ هنالك مشروعا لـ"ترانسفير جديد" بموافقة عربية.
في مواجهة هذا الخطاب المتطرف، تتجه أنظار "مطبخ القرار" الأردني إلى واشنطن، بالرهان على صلابة أوباما واستمرار ضغطه على نتنياهو للتنازل عن "مواقفه الحالية"، وعزل هذا الطرح دولياً. وبتقديري- وربما أكون مخطئاً- لا يوجد في خطاب أوباما في القاهرة، من حيث الجوهر، اختلاف واضح عما طرحه نتنياهو بالأمس!
وبانتظار خطة أوباما للتسوية، التي ستعلن قريباً، فإنّ المؤشرات الأولية لا تطمئنّ، فقد دعا العرب إلى تقديم "رسائل حسن نية" مسبقاً لإسرائيل بإسقاط "حق اللاجئين" بالعودة، وتدشين مشروع "صندوق التعويض"، وحتى في حديث أوباما عن الدولة الفلسطينية فإنه لم يحدد سماتها، تاركاً الباب مفتوحاً للتنازلات والصفقات ولعبة الوقت.
مرة أخرى، فإنّ الرهان على الموقف الأميركي لا يعني قفز "مطبخ القرار" عن ضرورة الاستعداد لسيناريو فشل التسوية السلمية، وتدهور الأوضاع الفلسطينية، وذلك يقتضي توسيع هامش المناورة السياسية الأردنية، بإعادة النظر في السياسة الحالية تجاه الضفة الغربية، والعمل على فتح قنوات من الاتصال والحوار مع حركة حماس والفصائل الأخرى، والتفكير جديّاً في تخريب أي مخطط إسرائيلي من خلال "إعادة إحياء الحالة النضالية" في الضفة، بصيغ مختلفة.
أمّا في سياق اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، فمن الواضح أنه يقع حالياً تحت أثقال "الانتكاسة" في القضية الفلسطينية والصراع بين فتح وحماس هناك وبمخرجات التسوية السلمية. وفي الآونة الأخيرة، عاد سؤال "المعادلة السياسية" الداخلية (هنا) إلى السطح بصورة عنيفة، وهو، إن لم نتنبّه، يعكس تنامي "الشرخ الاجتماعي" على قاعدة القسمة السكانية، الأردنية الفلسطينية.
ثمة ضرورة ماسة لتشكيل "رؤية توافقية"، من خلال العقول المنفتحة المعتدلة ذات المصداقية، تعيد تشكيل المعادلة الداخلية، بما يضمن إصلاحاً سياسياً متدرجّاً، مُسيّجاً بالحفاظ على هوية الدولة ومؤسساتها السياسية، وبإبقاء "حق العودة" قائماً، وتوحيد الجبهة الداخلية وحمايتها، وتوجيه الأنظار لمواجهة الخطر اليميني الإسرائيلي المتطرف، بدلاً من نقل الكرة الملتهبة إلى "أحشاء" المجتمع الأردني.
ما تزال استجابة "مطبخ القرار" أقل بكثير من حجم المتغيرات المرتبطة بـ"السؤال الفلسطيني"، داخلياً وخارجياً، مما يخلق فراغاً كبيراً يفتح المجال لقراءات متوترة ومشحونة، في وقت يشعر فيه الجميع بأنّ هنالك محاولات لـ"تصفية القضية الفلسطينية"، وبالضرورة سيكون ذلك على حساب الأردن.
الأردن أمام منعرج تاريخي خطر جداً، يتمثل بمخطط صهيوني جديد يهدد الأمن الوطني والهويتين الأردنية والفلسطينية. لم تعد المسألة تحتمل النقاش أو التلاعب، ولا يمكن تجاهل ذلك من قبل مؤسسات الدولة أو "ادعاء الحياد" وعدم التدخل، ويتطلب درجة عالية من الجدِّية في التعاطي الرسمي معه!
إنها الخطوط الحمراء الأردنية، التي تمثل استحقاقاً وطنياً، بامتياز، يتجاوز "الفذلكات الإعلامية" و"الألاعيب السياسية"؛ لا توطين للاجئين، لا إلغاء لحق العودة، لا للخيار الأردني، لا خضوع للابتزاز الإسرائيلي، لا للتلاعب بالمعادلة الداخلية.
m.aburumman@alghad.jo