قال أحدهم: الإنسان حيوان ضاحك وضجت الدنيا من الضحك على هذا الوصف المضحك! وقال آخر: الإنسان حيوان ناطق فإستشاط البكم غضبا ونطقوا لأول مرة إحتجاجا على هذا الوصف المشين لهم! وقال ثالث: الإنسان حيوان سياسي ومن هو السياسي؟ إذا إتفقت معي عزيز القارئ أن السياسي هو الذي يتقن فن الكذب؛ فالإنسان حيوان كذاب! وإذا لم تتفق معي، فالإختلاف سنة الحياة! وقال رابع: الإنسان حيوان إجتماعي فإنتفض الإنطوائيون على هذا الوصف المقذع لهم!
ثم جاء العلم ليدلي بدلوه في مسألة تعريف الإنسان؛ فإفترض جدلا لا حكما قاطعا قبل أن يعرَف ماهية الإنسان أن الإنسان أصله وفصله "قرد"! وذلك لكي يضع "المدماك" الأول في بنيان مسألة تعريف الإنسان!
في ضوء هذه التعريفات الجدلية إن أصاب وصفي لها كبد الحقيقة، أتساءل: هل من دليل علمي قاطع أن الحيوان لا يضحك؟ هل من برهان علمي ساطع أن الحيوان لا ينطق؟ هل من حجة دامغة أن الحيوان ليس سياسيا وليس إجتماعيا؟
وقبل الإجابة على هذه الاسئلة، ألا يفترض بنا أن نعرف أولا ما هو "الضحك" وما هو "النطق" وما هو "الإجتماع" وما هي "السياسة"!
وهنا تجدر الإشارة إلى أن تعريف أي شيء يخضع لمسالة "النسبية"، أي أنه لا يوجد تعريف ما لأي شيء صائب لهذا الشيء في كل مكان وزمان.
قد يعترض معترض وما أكثر من سيعترض في هذه اللحظات ويقول لي: ما قولك في تعريف الكرسي مثلا لا حصرا؟ هل إختلف تعريفه منذ اول لحظة عرف به الكرسي بهذا التعريف؟
أجيب وليس من الضرورة بمكان أن تكون إجابتي صحيحة أو خاطئة: تعريف الكرسي هو إتفاق! وهذا الإتفاق إذا أراد المتفقون تغييره فإنه سيتغير!
أين مربط الفرس في مقالي هذا؟
بيت القصيد أنه يفترض بنا ألا نتفاجأ إذا إكتشف العلم يوما ما أن الحيوان ينطق ويضحك وأنه سياسي وإجتماعي!
فقديما ظن العلم أن الأرض مسطحة إلى أن إعترف العلم بالخطأ هذا وصححه وقال: الأرض شبه كروية! ومن زمان شمر العلم عن ساعديه وقال: الذرة أصغر شيء! ثم وبكل تواضع تراجع العلم عن قوله هذا وتوصل إلى أن هناك جسيمات أصغر من الذرة!
ولعلني لا أغالي إذا سبقت العلم فقلت لكم بالبنط العريض: "لا شيء في الكون أصغر شيء! ولا شيء في الكون أكبر شيء!" بكلمات أخرى، إذا توصل العلم إلى أن "س" شيء من الأشياء هو أصغر شيء؛ فسوف يكتشف فيما بعد ما هو أصغر منه، وهكذا دواليك! وما ينطبق على أصغر شيء ينطبق كذلك على أكبر شيء! وخط الأعداد هو اللغة التي تعبر عن قولي هذا!
"الإنسان حيوان ناطق" تعريف قابل للصواب بمقدار ما هو قابل للخطأ حتى يقدم لنا العلم دليلا قاطعا أن الحيوان لا ينطق، وذلك في ضوء تعريف جديد لمصطلح "النطق"!
قد لا أكون مخطئا إذا ما قلت بأننا بحاجة إلى إعادة تعريف الأشياء بين الحين والآخر حتى نقترب رويدا رويدا من "الحقيقة"! أقول "نقترب" من الحقيقة لا اقول "نصل" إلى الحقيقة واللبيب بالإشارة يفهم!