تنظيم العمل الديني كمتطلب سابق لإنهاء الحرب ضد الإرهاب في سوريا
خالد الحازمي
02-10-2018 02:24 AM
في الوقت الذي تتقرب منه الحرب في سوريا على وضع أوزاها، ينتصر الرئيس السوري بشار الأسد، كعادته لفكرة الدولة وشرعيتها، وبسط سيادتها على المفاصل الرئيسية فيها. إذ أصدر مرسوما تشريعيا رقم 16 في 20 – 90 – 2018 يختص بتحديد مهام واختصاصات وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية.
حيث تتولى وزارة الأوقاف ممارسة الشؤون المتعلقة بالتوجيه والإرشاد الديني الإسلامي والأوقاف، وتعمل على محاربة الفكر التكفيري المتطرف بتياراته ومشاربه كافة، وحماية الوحدة الوطنية من مخاطر هذا الفكر وتجفيف منابعه والمواجهة الفكرية لكل من يحمله كالوهابية وتنظيم الإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة. أليس هذا ما نريده في سوريا وفي كل دولة تريد أن تنأى بنفسها عن مخاطر الإرهاب، والأفكار المتطرفة التكفيرية التي تعمل بشكل متوافق مع فكرة هدم صرح الدولة الوطنية؟
ردود الفعل على المرسوم غريبة جدا، فكان من المفروض أن يكون هناك ردود فعل إيجابية تبارك هذا التشريع، لأنه يمثل طوق أمان للشعب السوري والدولة السورية، التي استطاعت أن تقف في وجه أقوى موجة من موجات الإرهاب في التاريخ الحديث، بفضل قيادتها وحرص شعبها على عدم قيام بؤرة للإرهاب والتطرف على أراضيها.
يبدو أن التطرف لا يقتصر على التيارات المتشددة "الإسلامية"، بل هناك فئة قليلة من التيار العلماني، هي التي تهاجم هذا التشريع بضراوة، ولا تدرك حقيقة العلاقة بين العلمانية والدولة.
لكن الأمور واضحة جدا بالنسبة للشعب السوري الذي يريد أن يبدأ مسيرة البناء والتنمية، وتتلخص في أن أقطاب التشدد في التيار العلماني في سوريا، يريدون بقاء الفوضى الدينية في البلد، كي يتمكنوا من تصدير خطابهم على أنه الحل الوحيد لسوريا، وأنهم أصحاب النظرية الصحيحة في الإدارة. ولا يمكن لهؤلاء أن تزدهر تجارتهم إلا بوجود الفوضى الدينية. ولأن الدولة انتصرت لحقها في تنظيم هذا القطاع، رأينا هذا المستوى من الهجوم.
وثمة من يرى أن هذه الهجمة على التشريع المهم في هذه المرحلة من عمر الدولة السورية، جاءت مدعومة من الذين سيخسرون نفوذهم، جراء سريان هذا التشريع. حيث أن المرسوم الجديد يضع كافة الصلاحيات بيد وزارة الأوقاف حصرا. وهذا من ناحية التنظيم أمر إيجابي يصب في المصلحة العامة السورية. بمعنى أن الفوضى الدينية التي كانت سائدة قبل هذا التشريع تخدم فئة دون غيرها.
دعونا نفكر بوضوح بدون أحكام مسبقة، إذا أردنا فعلا أن ننهي صراع الدولة مع الدين، وننهي كل أشكال التطرف والفكر المتشدد، دعونا نقول إن الرئيس بشار الأسد العلوي، الذي كان يتهم زورا وبهتانا بالوقوف ضد الدين الإسلامي المعتدل الذي نريده فعلا، قد انتصر فعلا لإسلامية وسلمية الدين الإسلامي. وأوقف كل أشكال النفوذ التي تمارس باسم الدين.
وإذا كانت المخاوف في أن حصر تنظيم القطاع الديني في الدولة بيد وزارة الأوقاف سيساهم في زيادة التطرف ونشر الأفكار المتشددة، فعلينا أن نكون أكثر واقعية في الطرح، ولا نستغبي المجتمع السوري. إذ لا يمكن أن يقبل العقل أن دولة مثل سوريا عانت ما عاناته من التطرف والإرهاب والفكر المتشدد. ستساهم في تسهيل عملية نشر الفكر المتطرف من خلال مؤسسة وطنية تابعة للسيادة السورية. على العكس تماما، فالمنطق يقول إن الدولة فعلا تتجه نحو تنظيف القطاع الديني من الشوائب التي علقت به أثناء الحرب بيد وطنية وتحت سيادة القانون.
لن ندخل في طيات القانون وتفاصيله ولكنه كعنوان عام متطلب سابق بالنسبة للدولة السورية، لكي تنهي حربها ضد الإرهاب، فهي من ناحية تعمل على تطهير المناطق من الدمويين والغوغائيين بالسلاح وبقوة الدولة. ومن جانب آخر تنظم اوراقها وتعيد ترتيب مؤسساتها ذات الشأن والاختصاص، لتحصين مكتسب النصر على الإرهاب من خلال وقف الفوضى الدينية التي ساهمت في انتشار الفكر المتطرف، ونشر الفكر التنويري والصورة الحقيقية للإسلام.
في النهاية نحن لا نعترف بإسلام متشدد وإسلام غير متشدد، نعلم تماما أن الدين الحق تم توظيفه لمصالح دول وجماعات اباحت الدم والقتل والتشريد. وندرك أيضا أن الدين الحق اختطف في فترة ما، والدولة تريد استرجاعه من أجل وقف شلالات الدم.