مطلوب التأني في قراءة قانون الضريبة
د. عبد الحكيم أخوارشيده
01-10-2018 11:49 AM
تمثل الضرائب بشكل عام احدى أهم ادوات المالية العامة في كافة النظم في العالم وذلك لما تمثله هذه الاداة من تعزيز لقدرة الدولة في توجيه وضبط لمعظم الممارسات الاقتصادية في الدولة وكذلك ضبط ايقاع اليات السوق والمتمثله بقوى العرض والطلب وبما يحقق حالة من التوازن في هذا الاطار. ومن الواضح ايضا" ان للنظم الضريبية بكل مكوناتها أهداف تسعى الدولة الى تحقيقها من خلال استخدامات تلك المكونات بما في ذلك معدلاتها وطرق واساليب تحصيلها ومنهجيتها وجهات ادارتها. ولا يخفى على أحد ما للنظم الضريبية من أدوار في كافة جوانب العوامل الأقتصادية من مستهلكين ومستوردين ومصدرين ومنتجين ومستثمرين وبالتالي فأن النظام الضريبي الرديء يؤدي حتما" الى خلق حافز سلبية تؤثر سلبا" على العوامل الواردة أعله وهذا يتجلى بأضعاف الرغبة والدافعية للعمل والأستثمار وكذلك الأدخار ومعروف بشكل جليّ تبعات ذلك على مجمل النشاط الأقتصادي ومعدلات النمو والقدرة على توليد فرص العمل وتعزيز للقدرة الشرائية للأفراد.
وفي أطار الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها من فرض الضرائب فانها تتناول جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وكذلك انسانية. وفي هذا السياق فأن مبدأ توزيع الدخل (الثروة) لا يمكن ان يتحقق بدون وجود نظام ضريبي يأخذ من المكلف المقتدر ليحقق حصيلة مالية يمول بها مشاريع ومؤسسات خدمية وبنى تحتية خدمية تشمل مؤسسات تعليم ومؤسسات خدمات صحية واجتماعية اضافة الى خدمات حيوية (طرق وجسور ومياه وكهرباء ...الخ), يستفيد منها كافة مواطني الدولة بغض النظر عن قدراتهم المالية (قدراتهم الشرائية) لأن معظم تلك الخدمات تقدم لطالبيها بالمجان وفي اسوأ الأحوال بأثمان رمزية متدنية. أما على الصعيد ألاقتصادي فأن الحديث يطول في شرح المضامين الاقتصادية للضريبة ودورها في توجيه النشاطات والممارسات الاقتصادية بكل انواعها ومجالاتها, فهي أي الضرائب من أهم أدوات تشجيع الاستثمار سواء ما يتعلق بطبيعته (صناعي, زراعي, خدمي) أو بمكانه (توزيع النشاط الأستثماري على أقاليم المملكة) أو بدرجة عالميته (استثمارات أجنبية).
ولنا في الاردن تجارب عديدة في هذا الجانب معظمها تكلل بالنجاح ولو بدرجات متفاوتة.حيث نجد مصانع متنوعة الانتاج تمتد على مساحة الاردن من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال تشغّل الأف الايدي العاملة الأردنية وكذلك ساهمت الى حد كبير في تنمية تلك المجتمعات من خلال توفير فرص العمل للسكان في تلك المجتمعات المحلية مما ساهم في تثبيتهم في مناطقهم وبالتالي الحد من ما يسمى بالهجرة الداخلية لمدن كبرى هي في الأساس تعاني من اكتضاض سكاني هائل يساهم في زيادة الضغط على العديد من البنى التحتية وكذلك يؤدي الى خلق حالة من اللاتوازن الديموغرافي على مستوى الدولة وما يستتبع ذلك بالضرورة من مشكلات كأرتفاع كلف المعيشة وزيادة حدة الطلب على السكن والمواصلات وما الى ذلك.
بالاضافة الى ذلك فقد ساهمت تلك الاستثمارات في تنمية وتطوير تلك المناطق لمساهمتها الواضحة في ما حققته من خدمات لتلك المناطق تفعيلا" لمبدأ المسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات. كل هذا الانتشار لهذه الاستثمارات ما كان ليتحقق لولا قانون تشجيع الأستثمار المعمول به والذي يرتكز في اساسه على معادلات ضريبية متنوعة تتراوح بين الاعفاء الكامل لأستثمارات في مناطق معينة وكذلك اعفاءات جزئية في مناطق أخرى واعفاءات لمدة محددة لأستثمارات في مناطق معينة وما الى ذلك, وهذا دليل على ان الضريبة هي من أهم الادوات لتشجيع وتنشيط عجلة الاقتصاد وما تتضمنه من أبعاد اجتماعية وتنموية وانسانية.
وبناءا" على ما تقدم فمن البديهي ان أي برنامج للأصلاح الأقتصادي وكذلك اصلاح الأختلالات الأقتصادية التي تواجه الأقتصاد الأردني والتي أضعفت من قدرته على النمولا يمكن ان يتحقق دون العمل على اصلاح القطاع المالي والمالية العامة خصوصا" في جانبيها, الأنفاق العام والايرادات العامة. وعليه فأن اصلاح ألنظم الضريبية يمثل حجر الزاوية في عملية الأصلاح الأقتصادي.
وبالتالي فأنه يصبح من الواجب على كافة أطراف المعادلة, وهنا أشير الى ذوي العلاقة بتشريع قوانين الضرائب وفي مقدمتهم اعضاء السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء واعضاء السلطة التشريعية بجناحيها الأعيان والنواب ومنظمات المجتمع المدني, عليهم جميعا" وعند النظر بهذه القوانين ومنها قانون ضريبة الدخل على وجه الخصوص ضرورة مراعاة ان يحقق هذا القانون عند أعداده كمشروع قانون ومناقشته وصولا" الى صياغته بشكله النهائي ليتم ارساله الى المقام السامي ليقترن بالأرادة الملكية الساميه ليصبح نافذا" عليهم جميعا" وبدون استثناء مراعاة قواعد ومباديء تمثل اساسا" ومتطلبات لأي نظام ضريبي يحقق غاياته السامية ويتصف بالكفاءة ولضمان اعلى مستوى قبول من المتعاملين به سواء كانوا مكلفين أم قائمين على ادارته وتطبيقه. ومن بين هذه المباديء ما يلي:
أولا": قاعدة العدالة: والتي تتطلب لتحقيقها العمل على التوزيع العادل للأباء الضريبية على المكلفين وذلك من خلال نمطين من العدالة ( العدالة الأفقية وتتمثل بالمعاملة الضريبية المتساوية للمكلفين ذوي الظروف المتماثلة. والعدالة الرأسية وتتحقق عندما تحدد نسب ومعدلات ضريبية أعلى على المكلفين الذين يتمتعون بقدرات مالية أعلى).
ثانيا": قاعدة اليقين: ويشير ذلك الى ضرورة ان يكون النظام الضريبي بكل مكوناته مفهوما" من قبل المكلفين وكذلك القائمين على أدارته – وهذا يعني تحقق الشفافية والوضوح للقوانين والاجراءاات التي تحكم عملية ادارة الضريبة وتحصيلها والجوانب المحاسبية والحقوق والواجبات للمكلفين .
ثالثا": مبدأ الملائمة: ويعني ذلك تسهيل عملية سداد الاستحقاق الضريبي من قبل المكلف ومراعاة تحديد توقيت وظروف مناسبة لتحصيل الضريبة من المكلفين.وهذا من شأنه ان يعزز من جاهزية امتثال المكلفين وتقليل كلفة المتابعة والملاحقة للمتهربين ومتجنبي العبء الضريبي.
رابعا": مبدأ الاقتصاد: ويتناول هذا المبدأ تكاليف تحصيل الضريبة وهو يعني على وجه التحديد ان تكون الحصيلة المالية للضريبية أعلى من كلفها سواء المالية منها والادارية.
خامسا": قاعدة الاستقرار: ويقصد بها أن تتسم القوانين الضريبية بنوع من الثبات النسبي, بحيث لا تتغير من فترة إلى
أخرى إلا في حدود ما هو ضروري وحتمي. أن كثرة التغيير غير المبرر يجعل من الصعب على المكلفين مواكبة التعديلات الكثيرة والمتسرعة وهذا يضعف من قاعدة اليقين.
واذا جاز لنا ان نضيف قاعدة اخرى فمن الممكن القول بأنه من الضرورة بمكان بل يصبح من اللازم ان يتمتع أي نظام ضريبي بخاصية المرونة والتي تتطلب قدرة ذلك النظام الضريبي على التكيّف والاستجابة للظروف الأقتصادية المتغيرة وهذا يتطلب توفير أدوات ذاتية داخل النظام الضريبي تساعد الى حد كبير على الأستجابة (التلقائية للمتغيرات الأقتصادية).
كذلك فانه من المهم ان تتم صياغة التشريعات الضريبية بشكل يحدد فيها وبوضوح ودون التباس من هوالمكلف القانوني والمكلف الفعلي بما في ذلك حالات نقل الأعباء الضريبية للأمام أو للخلف وكذلك تحديد واضح ايضا" لقواعد الأعفاءات والحوافز الضريبية اضافة لتحديد واضح لنطاق التهرب الضريبي والتجنب الضريبي وما يستتبع ذلك من جزاءات معنوية ومالية والعمل على سدّ الثغرات التي عانت منها النظم الضريبية النافذة مع الأخذ بعين الاعتبار رفع كفاءة الأدارات الضريبية وضمان رفع مستويات الأمتثال الضريبي لدى المكلفين.
انها دعوة لكل الأردنيين, حكومة واعضاء السلطة التشريعية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني ومواطنين, للتأني في قراءة القوانين الضريبية وقبل ذلك التأني والتمحيص عند وضع قوانين الضريبة. فليس كل ضريبة سيئة بل على العكس فهي (أذا حظيت بدراسة واعية شاملة يساهم بها ذوي الأختصاص ودون تسرع) أداة للتنمية وتحسين للنشاط الأقتصادي ورفع لمعدلات التشغيل للحد من البطالة ورفع لمستوى الأنتاجية على مستوى الأقتصاد الكلي والذي يجني ثمراته كافة أفراد المجتمع ناهيك عن تعزيز للأحتياطيات من النقد الأجنبي والذي يعزز قدرة الأقتصاد على النمو ومواجهة التقلبات الاقتصادية.
حمى الله الأردن وشعبه وقيادته الهاشمية.